دراساتصحيفة البعث

أوروبا تتهرب من شعاراتها المناخية

عناية ناصر

إن إلقاء الخطب وعدم إظهار الاهتمام أو عدم القدرة على الوفاء بالتعهدات، هذا هو بالضبط حال أوروبا في مواجهة قضية المناخ العالمي، ويمكن طرح العديد من الأمثلة على ذلك بدءاً من إحجام الغرب عن تحمل مسؤولياته التاريخية تجاه تغير المناخ نظراً لإجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية منذ بداية الثورة الصناعية، إلى عدم رغبة القادة الأوروبيين في عقد قمة المناخ مع إفريقيا.

ووفقاً لـصحيفة “بوليتيكو”، سيتجه القادة الأفارقة إلى هولندا لحضور قمة المناخ المقرر عقدها في 5 من شهر أيلول الحالي سعياً منهم لاستلام الأموال الموعودين بها لمساعدتهم على التعامل مع تغير المناخ، لكن نظراءهم الأوروبيين يخططون إلى التهرب من الاجتماع. وأضافت” بوليتيكو” بالقول إن الافتقار إلى المشاركة في القمة من أعلى مستويات الحكومات الأوروبية يتناقض بشكل صارخ مع حضور القادة الأفارقة القادمين من مسافات طويلة. ونقلت الصحيفة عن أحد المراقبين: “قد يبدو الإنفاق على حماية المناخ في إفريقيا وكأنه مسألة صعب قبولها بالنسبة للقادة الأوروبيين في وقت يواجه فيه مواطنوهم أزمة غلاء معيشية قد تستمر لأجيال”.

تواجه أوروبا ارتفاعا في تكاليف الطاقة بشكل كبير، وتتزايد المخاوف بشأن الحصول على الكهرباء والتدفئة، وبينما تبحث الدول الأوروبية في كل مكان عن بدائل للطاقة الروسية، يشجع سياسيوها مواطنيهم على الاستحمام بشكل أقل وعدم غسل ملابسهم. ووسط خلفية تفشي كوفيد-  19 الذي لم تتم السيطرة عليه، والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق، وارتفاع التضخم، من غير المؤكد كيف يمكن لأوروبا البقاء على قيد الحياة هذا الشتاء.

لقد أدت حاجة أوروبا الملحة إلى الطاقة إلى تقويض التزاماتها المتعلقة بالمناخ، لتجد نفسها في موقف حرج في جذب الانتباه إلى هذه القضية الهامة، فإذا شارك الزعماء الأوروبيون في القمة، فماذا سيقولون أو سيعرضون؟. لن يظهر مثل هذا السيناريو في قمة المناخ في أيلول فحسب، بل سيستمر حتى الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ في مصر في تشرين الثاني القادم. ومع ذلك، وحتى قبل أن تبدأ أوروبا في الشعور بالعجز عن التعامل مع قضية المناخ، كانت بعيدة عن تحمل مسؤولياتها التي يتوجب عليها القيام بها.

أوروبا لديها أهدافها الخاصة لخفض الانبعاثات، لكنها في الوقت الحالي، تسير في الاتجاه المعاكس، حيث تتعارض حماية البيئة الآن مع مصالحها الخاصة، فالعديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك، قامت بإعادة تشغيل الطاقة التي تعمل بالفحم بهدوء. والأكثر نفاقاً أنهم الآن يعيدون تعريف الغاز والطاقة النووية على أنهما “أخضر”. في وقت سابق من شهر آب الماضي، نشرت صحيفة “سيدني مورنينغ هيرالد” مقالاً بعنوان “ماذا لو أنقذت الصين العالم ولم يلاحظ ذلك أحد؟” التي توضح أن “الثورة الجارية في الصين مذهلة حقاً، فالصين تقود العالم بكل معنى الكلمة في كل تقنية خالية من الانبعاثات”.

يلاحظ المراقبون أن قدرة التصنيع الصناعي في الصين تعادل قدرة العديد من الدول الغربية مجتمعة، لكن وعي الصين بحماية البيئة قوي بشكل خاص. لقد حددت أهدافاً عالية لنفسها، ومعايير صارمة للغاية لانبعاثات الكربون، وخطة للوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون. علاوة على ذلك، قدمت الصين في نفس الوقت الدعم المالي والمعدات والتكنولوجيا للدول النامية الأخرى لمواجهة تغير المناخ. على العكس من ذلك، فشلت البلدان المتقدمة منذ فترة طويلة في الوفاء بتعهداتها بتقديم الدعم المالي لمساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع هذه القضية.

يبدو أن الاقتصادات الغربية، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة، تهتم كثيراً بتغير المناخ، لكن استراتيجيتها الجيوسياسية تضر بأهدافها التي تبدو ظاهرياً جيدة المظهر، فأزمة المناخ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحلها دولة واحدة، لكن ألعاب القوى الكبرى التي بدأها الغرب، ومواجهات التكتلات، وعقليات الحرب الباردة تهدد آفاق التعاون بشأن حماية المناخ.

تتمثل المهمة الملحة الحقيقية لأوروبا في مواجهة تحدياتها الواقعية، وتحقيق الاستقرار في اقتصادها وإمدادات الطاقة، والأهم من ذلك، إعادة التفكير في استراتيجيتها المتمثلة في اتباع الولايات المتحدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بخلق توترات في جميع أنحاء العالم.

نتيجة لذلك، وبصرف النظر عن تسهيلات تجار الأسلحة الأمريكيين لتحقيق الثروة، فإن العالم بأسره، بما في ذلك أوروبا، قد تم دفعه نحو الأزمات والمعاناة.  من المثير للدهشة أن القواعد التي يقودها الغرب في الإدارة البيئية العالمية لم تنجح، ولذلك فقد حان وقت التغيير ويجب أن يكون هذا التغيير سريعاً.