اقتصادصحيفة البعث

لرفع حالة الوهم

علي بلال قاسم

نهاية كل موسم تشهد الأسواق ما يعرف بالأوكازيون، كتقليد أساسه بيع ما تبقى من البضاعة الموسمية حتى لا تتكدس للموسم القادم حيث الموضة والموديلات المتجددة التي لا تعترف بالقديم، وبالتالي البيع ولو بسعر التكلفة دون ربح وهو أفضل بكثير من خسارة التخزين ودفع أجور المستودعات، وهذا مستحيل في ظل هامش الربح المرتفع جداً.

ومع أن التاجر يعتبر الأوكازيون على حسابه عبر التخفيضات المغرية جداً، إلا أنه الفائز الأكبر في هذا المشهد الاستعراضي الخلبي الذي يعيد كشف ملامح الوجه الجشع للتجار والمنتجين طوال العام، وهو يفضح أيضاً أخطاء السياسات التسعيرية المتبعة منذ عقود إلى الآن، ليس من بوابة خطأ القوانين بل تجاوزات المشرفين والقائمين على التنفيذ.

حالياً بدأنا نلحظ احتفالات الأوكازيون الكذابة والخداعة والتي طالما سجلت إعلانات بالمراوحة بين 20-70%، ليخرج السؤال المتجدد: هل أسعار التخفيضات حقيقية أم وهمية؟ ليبقى الجواب معلقاً في ذهنية ولسان إدارة تجارة داخلية تعتبرها حقيقية، وتجار يصرون على تبييض الصفحات وإثبات حسن النيات والتعتيم على الممارسات التي تخبئ زيتاً عكراً في كل المناسبات، في وقت يدلل الخبراء والمتابعين والعارفين ببواطن أمور أسواقنا أنها وهمية ومرتبطة بجشع التجار.

وإذا استقصينا رأي الزبون، فالغالبية تدرك وتعرف كذبة الأوكازيون وأبطالها في وقت يقع جزء من المستهلكين ضحية إغراء إعلانات التخفيضات في كل موسم، ليخرج السؤال: إذا كانت هوامش الربح التي تسمح بها أنظمة السوق وقواعده للمنتجين والباعة لا تتجاوز نسبة الـ 40% فكيف سنصدق حقيقة التخفيضات التي تصل لنسبة 70%، كما يدعون. وبالتالي ما علينا نحن والتموين إلا أن نصدق التنزيلات التي تحدث على حساب ربح التاجر.

بالعموم، التاجر هو البطل في التنزيلات، وهو المحرك الذي يؤكد صحة التخفيضات التي تصب في مصلحة التاجر، وما تخفيض أسعار المنتجات في نهاية الموسم سوى للاستفادة من الرأسمال الذي يوفره الأوكازيون، وبالتالي تشغيل الرأسمال للموسم القادم، ليخرج تاجر آخر بالقول إن الأسعار مراقبة من قبل التموين وحماة المستهلك قبل وبعد التنزيلات، وبالتالي الأوكازيون من مصلحة المستهلك الذي يستفيد من التنزيلات المختلفة، والتاجر الذي يحاول تحقيق أكبر ربح وتصريف منتجاته في نهاية الموسم مما ينشط السوق ويحد من الركود.

لقد تعودنا على موقف التجارة الداخلية المتفرج والمبارك في البداية عبر منح الموافقات على طلبات التنزيلات بشروط العلنية والإفصاح الواضح، وفي النهاية بادعاء المراقبة والتحقق، وهذا ما لا يحصل في أغلب الأحيان وفق كلام العديد من التجار الذين حاورناهم. نهاية القول أن موسم التنزيلات في حال طبق بحذافيره فهو يخدم المستهلك، ولكن صراحة هذا الأخير يشعر بالتخفيض، ولكنه ليس حقيقياً بل وهمياً والمطلوب حسن الرقابة لرفع الغبن والكذب والنفاق وحالة الوهم، والحل بقيام التخفيضات في عز الموسم وليس نهايته بعد أن ضرب التاجر ضربته في السوق وحقق مآربه.

الأوكازيون وسيلة جيدة للبيع وتحريك السوق وتقديم سلع بأقل من سعرها المطروح سابقاً، وهو في صيغته الحقيقية غير الوهمية يخدم المستهلك قبل التاجر، ولكن هذا مالا يتحقق في سيرورة أسواقنا ما يفرض إعادة نظر جذرية في الأسلوب والأدوات بشكل ينهي المسرحية التي يديرها التاجر ويتحكمون بها كما يشاؤون تحت مسمع ومرأى حماة المستهلك الذين باتوا حماة التاجر.