دراساتصحيفة البعث

هندسة الاحتجاجات.. حرب البنتاغون على إيران

سمر سامي السمارة

من نقرة زر صغير قامت بها الولايات المتحدة، إلى أعمال عنف واحتجاجات تعمّ شوارع طهران، لتنتشر بعدها في كافة أنحاء البلاد.. هكذا تمّت هندسة الاحتجاجات الأخيرة في إيران وإثارتها من الخارج.

على الرغم من الأسف لما حدث لـ ماهسا أميني، إلا أن واقع الحال يُظهر أن ما خفي كان أعظم، إذ تحمل الاضطرابات في إيران سمات مميزة لحرب سرية ترعاها الولايات المتحدة والدول الغربية منذ زمن.

ولم تمضِ سوى أيام قليلة على اندلاع “الاحتجاجات” في 16 أيلول الفائت حتى كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن البنتاغون بدأ مراجعة واسعة النطاق لجميع تحركاته على الإنترنت، إذ تمّ الكشف عن عدد من حسابات الروبوتات والمتصيدين ممن يديرون قسم القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، ويغطون جميع العمليات العسكرية الأمريكية في غرب آسيا وشمال إفريقيا وجنوب ووسط آسيا.

وفي تحقيق مشترك، أجرته شركة أبحاث وسائل التواصل الاجتماعي “غرافيكا”، ومرصد “ستانفورد” للإنترنت، تمّ ضبط الحسابات وإجراء التقييم لـ”خمس سنوات من عمليات التأثير السرية المؤيدة للغرب”.

وقد تمّ نشر التحقيق في أواخر شهر آب الماضي، حيث تبيّن استقطاب قسط ضئيل من التغطية الصحفية باللغة الإنكليزية في ذلك الوقت، ولكن من الواضح أنه كان ملحوظاً، ما أثار مخاوف على أعلى المستويات في الإدارة الأمريكية، ودفع للمراجعة الفورية.

وبينما أشارت صحيفة “واشنطن بوست” بسخرية إلى أن استياء الإدارة ينبع من أنشطة (سنتكوم) الفاضحة، الأمر الذي يمكن أن يعرّض “القيم” الأمريكية، و”مكانتها الأخلاقية” للخطر، فإن من الواضح تماماً أن المشكلة الحقيقية هي الكشف عن القيادة المركزية الأمريكية.

في الحقيقة، يشمل النطاق الجغرافي للقيادة المركزية الأمريكية، إيران، ونظراً لأن مكانة الجمهورية الإسلامية منذ فترة طويلة كدولة معادية للولايات المتحدة، فمن غير المستغرب أن يتمّ بذل جهد كبير للتضليل، والحرب النفسية الموجّهة ضد وحدة  إيران عبر الإنترنت هناك.

تتمثل الإستراتيجية الرئيسية التي يستخدمها المتخصّصون في علم النفس العسكري الأمريكي في إنشاء العديد من وسائل الإعلام الوهمية التي تنشر محتوى باللغة الفارسية، ويتمّ الاحتفاظ بالعديد من القنوات على الإنترنت لهذه المنصات، والتي تشمل تويتر، وفيس بوك، وانستغرام، ويوتيوب، وتلغرام. وفي بعض الحالات أيضاً، ظهر صحفيون ومحللون مزيفون، مع العديد من “المتابعين” على تلك المنصات، المرفقة بصور الملفات الشخصية التي تمّ إنشاؤها عن طريق الذكاء الاصطناعي.

على سبيل المثال، ادّعت “فهيم نيوز” أنها تقدم “أخباراً ومعلومات دقيقة” عن الأحداث في إيران، ونشرت بشكل بارز منشورات تعلن أن “النظام يستخدم كل جهوده لفرض رقابة على الإنترنت وتصفية محتواه”، وتشجيع القراء على التمسّك بالمصادر عبر الإنترنت نتيجة لذلك. وضخت القنوات الأمريكية الخاصة على “يوتيوب” العديد من مقاطع الفيديو القصيرة، على أمل أن يتمّ الخلط بينها وبين المحتوى الأساسي، وأن تنتشر سريعاً على الشبكات الاجتماعية الأخرى.

جيش من الروبوتات والمتصيدين 

قامت بعض المؤسّسات الإخبارية المزيفة بنشر وثائق، لكن الكثير منها كان عبارة عن محتوى تمت إعادة تدويره من مؤسّسات دعائية تمولها الإدارة الأمريكية مثل “راديو فاردا”، و”صوت أمريكا” بالفارسية، فضلاً عن إعادتها تحرير مقالاتها ومشاركتها من “إيران الدولية” المعارضة ومقرها بريطانيا، كما فعلت العديد من الشخصيات المزيفة المرتبطة بهذه المنافذ.

اعتمدت هذه الشخصيات في معظم منشوراتها على محتوى غير سياسي، بما في ذلك الشعر الإيراني، وصور الأطباق الإيرانية، من أجل زيادة “أصالتها”. كما استخدمت روبوتات البنتاغون، والمتصيدون تقنيات وأساليب سردية مختلفة في محاولة للتأثير على المواقف وتوليد الشعور بالانتماء.

ذكر الباحثون أن الغرض من هذه الجهود لم يكن واضحاً، على الرغم من أن التفسير الواضح هو سعي البنتاغون إلى تعزيز السخط المناهض للحكومة بين الإيرانيين المحافظين، أثناء إنشاء قوائم “المتطرفين” المحليين لرصد المواقع الموجودة على الإنترنت.

نشر الغضب

سعت هذه المواقع لإلحاق الضرر بمكانة إيران، وتقويض نفوذها الإقليمي، وذلك من خلال نشر الذعر والقلق، وخلق بيئة معادية للإيرانيين في الخارج. على سبيل المثال، زعمت الروايات التي استهدفت الأفغان، أن أفراد فيلق القدس كانوا يتسللون إلى كابول متظاهرين بأنهم صحفيون من أجل سحق معارضة طالبان، كما تمّ نشر مقالات من موقع مرتبط بالجيش الأمريكي، ودون وجود أي دليل، بأن جثث اللاجئين الذين فروا إلى إيران قد أعيدت إلى عائلاتها في الوطن بأعضاء مفقودة.

وفي أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022، كانت هذه المواقع نفسها قد كرّست رواية كاذبة مدمرة أخرى، تُظهر أن الحرس الثوري الإيراني كان يجبر اللاجئين الأفغان على الانضمام إلى المجموعات التي تقاتل في سورية واليمن، وأن أولئك الذين رفضوا تمّ ترحيلهم.

ركزت مجموعة أخرى من حسابات البنتاغون على “تورط” إيران في اليمن، ونشرت محتوى على شبكات التواصل الاجتماعي الرئيسية تنتقد اللجان الشعبية، متهمة إياها بعرقلة تسليم المساعدات الإنسانية عمداً، وإغلاق المكتبات والمحطات الإذاعية والمؤسّسات الثقافية الأخرى.

وعلى الرغم من أعمال العنف والتخريب الواسعة النطاق التي يرتكبها مثيرو الشغب، وتستهدف المدنيين والسلطات على حدّ سواء، مثل تدمير سيارات الإسعاف، إلا أنهم يزعمون أيضاً أن دوافعهم هي مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان!.

حرب تغيير النظام بوسائل أخرى

لقد وفرت أنشطة “مسيح علي نجاد” -حركة مناهضة للحجاب- قدراً هائلاً من التغطية الإعلامية دون أن يتساءل أي صحفي أو منصة إعلامية عن دورها في حركة الاحتجاج الشعبية، وهي التي كانت تلتقط صوراً مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو، وتتلقى مبالغ كبيرة بقيمة 628 ألف دولار من عقود الحكومة الفيدرالية الأمريكية منذ عام 2015.

تدفقت الكثير من هذه الأموال من هيئة الإذاعة الحكومية، وهي الوكالة الحكومية الأمريكية التي تشرف على منصات الدعاية مثل “راديو أوروبا الحرة”، و”صوت أمريكا”، والتي أنتجت عرضاً باللغة الفارسية لمدة سبع سنوات.

قد تبدو هذه المجموعات من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي غير ضارة وحقيقية في عصر الأخبار المزيفة الفيروسية، ولكن عند تجميعها وتحليلها، فإنها تشكل سلاحاً قوياً وخطيراً، والذي اتضح أنه واحد من العديد من الأسلحة في نظام البنتاغون.