اقتصادصحيفة البعث

الوقاية قبل التعامل مع النتائج!!

كتب المحرر الاقتصادي

تعميم صادر من مديرية الشؤون الصحية في محافظة دمشق إلى المطاعم في الشهر التاسع يطلب منها عدم استخدام الخضروات الورقية على خلفية الخوف من أن تكون سبباً مباشراً في تفشي وباء الكوليرا، وذلك بناء على فرضية عدم توفر شروط النظافة، بدعوى صعوبة تحديد مصادر المياه التي تتم فيها سقاية هذه المزروعات.

التعميم حتى الآن جيد لجهة نيّة المحافظة أو وزارة الصحة منع وباء معيّن من الانتشار، إذا فرضنا أن منشأ الوباء تابع لهذا النوع من الخضار، ولكننا إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى ربما وقعنا على مجموعة من الملاحظات التي لابد من ذكرها في هذا الصدد.

فالحديث عن هذا الحظر – إن صحّ التعبير – يجب أن يكون مرتبطاً بعدد من الوزارات، وهي “الصحة” المتخصّصة بالجانب الوبائي، و”الزراعة” المعنية مباشرة بخريطة الإنتاج الزراعي، و”الموارد المائية” المسؤولة عن تحديد مصادر المياه، و”التجارة الداخلية” المسؤولة عن التسويق، و”الاقتصاد” المسؤولة عن التصدير، و”الإدارة المحلية والبيئة” المسؤولة منذ البداية عن مراقبة التلوّث.

فلو فرضنا جدلاً أن الأمر متعلق بالدرجة الأولى بالجانب الوبائي، فإن هناك أساليب أخرى لمعالجة هذا الأمر، منها التوعية الصحية حول تنظيف الخضروات وغسلها، والتشدّد في مراقبة أماكن زراعة هذه المحاصيل ومصادر الري، والمخالفة على أساس ذلك، ومنها مثلاً إلزام الفلاح بإحضار شهادة منشأ من البلدية التي ينتمي إليها حول مصدر مياه الري، وخاصة أن تاجر السوق أصلاً لديه خبرة كبيرة في ذلك، كما أنه قادر على تحديد مكان زراعتها بحكم كونه على الأغلب يتعامل مع أسماء معيّنة من المزارعين، وبالتالي هناك إمكانية بالفعل لحصر الموضوع والتشدّد في ملاحقته.

أما أن يصدر تعميم من هذا النوع يثير الهلع حول وجود تلوّث في الخضروات الورقية، فهذا ربما يؤدّي إلى القضاء على مصدر رزق عدد لا بأس به من المزارعين الذين ينفقون على محاصيلهم عشرات الملايين ويروونها بمياه الآبار أو المياه النظيفة، وهذا بدوره سيؤدّي إلى نفور المواطن من شراء هذه المزروعات، ما يؤدّي إلى كساد المحاصيل، فضلاً عن انعدام إمكانية تصديرها إلى الخارج وهي محاصيل مهمّة جدّاً لشريحة واسعة تعمل بها وجالبة للعملة الصعبة.

بالإضافة إلى كل ذلك، هناك مشكلة تتعلق بالأمن الغذائي ذاته، لأن هذه المحاصيل لها دور أساسي في مائدة الناس، وهي محاصيل شتوية في أغلبها، فإذا أضفنا إلى هذا الحظر حظراً آخر له علاقة بالمحاصيل الصيفية، فإن الأمن الغذائي في البلاد سيصبح مهدّداً، فضلاً عن كون هذه المحاصيل تزوّد الجسم بمجموعة من المعادن والفيتامينات ومضادات الأكسدة وغيرها، الأمر الذي يضع الأمن الصحي على المحك أيضاً.

ثم لماذا يتم التعاطي مع وباء تدّعي وزارة الصحة أنها قضت عليه منذ عشرات السنين بهذه الطريقة التي تثير الرعب؟ ألا يمكن أن يقود ذلك إلى التشكيك في جهود الوزارة السابقة للقضاء على هذا المرض، حيث يمكن لذلك أن ينسف فعالية اللقاح المستخدم منذ ذلك الوقت في الحدّ منه؟

وفي المحصّلة، ألا يقود كل ذلك إلى القول: ما هكذا يا سعد تورد الإبل.. وخاصة أن لدى العالم أجمع سابقة خطيرة مع وباء كورونا أدّت الإجراءات الاحترازية منه إلى تعزيز إمكانية انتشاره عبر خفض مناعة الناس؟ أم أن ثقافة حرق المراحل يجب أن تؤدّي إلى تدمير أمننا الزراعي والاقتصادي والصحي معاً، لأننا لا نمتلك ثقافة الوقاية أولاً ثم التدرج في العلاج ثانياً؟.