مجلة البعث الأسبوعية

ما حكاية خطوط التصدير البحرية؟ ولماذا رفضنا عرضا مغريا لنقل منتجاتنا الزراعية إلى روسيا؟

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

فتحت غرفة تجارة دمشق فصلاً جديداً في حكاية خطوط التصدير البحرية، وهي حكاية بدأت على الأقل منذ ستة أعوام دون أن تصل الحكاية إلى نهايتها السعيدة بتدشين أي خط بحري مخصص للتصدير!

وبدت غرفة تجارة دمشق وكأنّها حريصة على إنقاذ موسم الحمضيات الذي سيتدفق إنتاجه إلى الأسواق خلال أسابيع فدعت الحكومة إلى إنشاء خط بحري إلى روسيا لتصدير الخضار والفواكه، بل أنها طلبت من الحكومة أن تشتري أو تستأجر باخرة مدحرجة (رورو) مخصصة لنقل البرادات المحملة بالخضر الشتوية والحمضيات إلى دول الإتحاد الروسي، بدلا من نقله إلى لبنان في براد أجرته 2000 دولار ومنه إلى باخرة تنقله إلى وجهته المحددة.

طبعاً، هذا الحل أي شراء أو استئجار باخرة مدحرجة يمكن أن تقوم به وزارة النقل أو اتحاد المصدرين السوريين في حال كان سينقذ مواسم الخضار والفواكه والحمضيات ويزيد حجم التصدير، والسؤال: لماذا لم يُطرح من قبل؟

وإذا كان هدف مقترح غرفة تجارة دمشق إنقاذ موسم الحمضيات فلماذا تأخر تنفيذه سنوات وسنوات؟

 أين هي قرية الصادرات؟

لقد بدأت حكاية خطوط التصدير البحرية منذ ست ، ولا تزال فصولها مستمرة دون أن تتمكن أي جهة عامة أو خاصة من تدشين أي خط نظامي حتى الآن!

بدأ الفصل الأول من الحكاية بالحديث عن إقامة خط بحري بين سورية وروسيا في عام 2016، وقد تفاءلنا بإعلان مدير قرية الصادرات السورية – الروسية في ميناء اللاذقية بتاريخ 12/4/2016 عن توقيع عقد في بيروت مع شركة (CMA – CGM) العالمية للنقل البحري التجاري المنتظم بين سورية وجمهورية روسيا الاتحادية وذلك بحضور مدير عام الشركة ومدراء المكاتب في كل من سورية وروسيا ولبنان وفرنسا.

 

نتائج محبطة

وكان يفترض بموجب هذا العقد أن تفتح قرية الصادرات باب التصدير على مصراعيه أمام جميع الراغبين بالتصدير إلى جمهورية روسيا الاتحادية عن طريق هذا الخط المباشر الذي قيل منذ ستة أعوام أنه (سوف يتم افتتاحه قريباً جداً)!

لكن الـ (قريبا جداً) استمرت أكثر من ستة أعوام دون أن يبصر الخط البحري الموعود النور حتى الآن!، وبدلا من شراء أو استئجار باخرة واحدة مخصصة للتصدير حسب اقتراح غرفة تجارة دمشق فإن شركة (CMA – CGM) أبدت استعدادها منذ عام 2016 بتسيير رحلات منتظمة بمعدل رحلة كل أسبوعين، لنقل الخضار والفواكه والحمضيات على متن سفينة تتبع للشركة تضم 183 حاوية مبردة تتسع لـ 3700 طن خضار  و500 حاوية غير مبردة.‏‏

وبما أن مدة العقد كانت سنة واحدة قابلة للتجديد، فإنه سرعان ما أصبح في خبر كان لعدم جدية تجارنا بالانخراط في عملية تصدير الفواكه والخضار، ولعدم  اكتراثهم بإنقاذ موسم الحمضيات الذي يتكرر عاما بعد عام!، والملفت انه في عز موسم الحمضيات لم يُصدر تجارنا سوى 8 آلاف طن في عام 2016 منها.

وهكذا انتهى الفصل الأول من خطوط التصدير البحرية بنتائج محبطة ومخيبة لآمال المنتجين السوريين الذين تعرضوا لخسائر جسيمة!

التجار غير جادين بالتصدير

بعدها بأشهر وتحديداً بتاريخ 22/11/2016 بدأ الفصل الثاني من الحكاية، وكانت السطور الأولى منه إعلان شركات روسية رغبتها في فتح خطوط ملاحية بحرية بين الموانئ الروسية والسورية لتفعيل وتنشيط التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين.

وكانت شركة “تفارشي” واحدة من الشركات المتقدمة لتنفيذ المشروع وهي تملك أسطولاً كبيراً من السفن، أي أن الأمر لا يحتاج بالنسبة لتجارنا إلى استئجار أو شراء سفينة واحدة، فشركة روسية واحدة كانت مستعدة لوضع عدة سفن في خدمة تصدير مواسمنا الزراعية لو كانوا جادين فعلا بزيادة حجم التصدير لا الاستيراد!!.

كما أن تعميم رئاسة الوزراء رقم 450 الذي يلزم مؤسسات القطاع العام بنقل بضائعهم عبر سفن المؤسسة العامة للنقل البحري  حال دون أن يجد المقترح الروسي طريقه إلى التطبيق!

وانتهى الفصل الثاني بفشل فتح خطوط تصدير بحرية بسبب عدم تفاعل غرف التجارة واتحاد المصدرين من جهة ولعدم استثناء شركات القطاع العام من القرار 450 من جهة أخرى!!

مجرد أوهام

وبدأ الفصل الثالث من حكاية خطوط التصدير البحرية بتاريخ 10/10/2017 وكانت بدايته بإعلان اتحاد المصدرين إطلاق خط شحن بحري دائم مباشر بين ميناء اللاذقية وميناءي أوديسا ونوفورسيبسك بالتعاون مع شركة(سي ام اي ـ سي جي أم) ، واعتقدنا أننا وصلنا إلى نهاية الحكاية لأن اتحاد المصدرين كان متحمسا جدا إلى درجة جزم فيها أن العمل الرسمي في الخط سيبدأ خلال أسبوعين فور تحديد الأسعار المتعلقة بحجم التصدير، ولكن هذا التأكيد بأن سورية فتحت للمرة الأولى خطاً بحرياً ثابتاً باتجاه روسيا، سرعان ما تبين أنه مجرد أوهام فلا الجهات الخاصة ولا العامة كانت مستعدة للتصدير!

خط غير مفعّل

وتأخر الفصل الرابع من حكاية خطوط التصدير البحرية عدة أعوام وتحديداً لم يبدأ هذا الفصل إلا بتاريخ 23/2/2021 عندما أعلن رئيس غرفة التجارة السورية الإيرانية المشتركة فهد درويش أن تدشين خط بحري مباشر بين ميناء بندر عباس في محافظة هرمزكان جنوبي إيران وميناء اللاذقية السوري سيدشن في 10/3/2021 ، وأوضح حينها أن الخط البحري (سيؤدي إلى انتظام شحن البضائع بين إيران وسورية).

وبدا درويش حينها متفائلا جداً بزيادة التبادل التجاري بين البلدين فقال (في حال أصبح هناك ضغط في الطلب على البضائع من المستوردين السوريين سيتم إرسال شحنتين محملتين بالبضائع بدلاً من شحنة واحدة في الشهر الواحد)!!

واقتنعنا فعلا بأن خطاً بحرياً واحداً للتصدير بات قاب قوسين أو أدنى، وكيف لا نقتنع حينها مادام رئيس الغرفة السورية الإيرانية حدد تاريخ العاشر من كل شهر لإبحار الباخرة المحملة بالبضائع من ميناء بندر عباس سواء امتلأت الباخرة بالبضائع أم لم تمتلئ، بعكس ما كان يحدث من تأخير بوصول البضائع سابقاً حيث كان ينتظر المستورد 3 أشهر على سبيل المثال لوصول بضاعته إلى ميناء اللاذقية.

وكان متوقعاً أن يكون تدشين هذا الخط البحري بداية جيدة وسيؤدي إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين سورية وإيران وسيشجع المستوردين على استيراد البضائع..الخ.

وما عزز هذا الانطباع تأكيد رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، كيوان كاشفي، أنه بحسب الاتفاقية، ستنقل سفن الشحن البضائع بانتظام من إيران إلى سورية مرة واحدة شهريا ، وإلى إمكانية إرسال البضائع إلى ميناء اللاذقية كل 15 يومًا إذا لزم الأمر!

طبعا هذا الخط عير مفعل حتى الآن حسب الاتفاقية المعلنة في العام الماضي، وبالتالي أسدلت الستارة دون نتائج سارة!

وتستمر فصول الحكاية

وبما أننا أمام حكاية لانهاية لفصولها فقد افتتحت غرفة تجارة دمشق المشهد الخامس فطالبت الحكومة بإنشاء خط بحري باتجاه الموانئ الروسية بذريعة إنقاذ موسم الحمضيات، وجاء الاقتراح قبل شهرين من بدء موسم التسويق وليس قبل عام، وكأنّ الخطوط البحرية المخصصة للتصدير سهلة جدا، أو كأنّ لدى سورية الكثير من هذه الخطوط مع الدول الصديقة والحليفة!