مجلة البعث الأسبوعية

بدلاً من الازدهار وإرساء السلام  الغرب يثير التوترات والحروب للسيطرة على الثروات الطبيعية

البعث الأسبوعية –هيفاء علي

يحفل تاريخ الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي في دعم وافتعال الاضطرابات، والأزمات والحروب في معظم دول العالم طمعاً في ثرواتها الطبيعية، وفرض العقوبات الدولية على كل من يرفض الخنوع لهما ولتعليماتهما، التي يمكن أن تؤدي إلى مجاعات وإفقار الشعوب، والتدخل في الانتخابات والاضطرابات من أجل وضع “الدمى” على رأس السلطة، والأكثر من ذلك أنهما يسخران من القانون الدولي مع الإفلات التام من العقاب.

أزمة غذاء عالمية

انطلاقاً من الخطة الدولية التي تم تطويرها على نطاق واسع لتعديل الثقافات المحلية، وتعزيز إنشاء الكائنات المعدلة وراثياً جنباً إلى جنب مع تنفيذ العقوبات التي تهدف إلى تصدير المواد الغذائية والأسمدة، اقتربت أزمة الغذاء العالمية والأسمدة الزراعية مع نهاية العام الجاري، كما ذكر أنطونيو غوتيريش في الجمعية للأمم المتحدة. ومع الاستعداد لتصدير 30 مليون طن من الحبوب، وأكثر من 20 مليون طن من الأسمدة بنهاية عام 2022، تواجه روسيا عقوبات أمريكية وأوروبية كيدية لمنعها من تزويد العديد من الدول بما في ذلك القارة الأفريقية بالحبوب والطاقة. ومع ذلك، تم رفع هذه العقوبات، غير القانونية بموجب القانون الدولي، عن الدول الغربية التي يمكنها استيراد الحبوب والأسمدة الروسية في الوقت الذي يناسبها. وفي مواجهة 350 مليون شخص مهددين بالمجاعة في إفريقيا، عرضت روسيا تقديم الأسمدة والحبوب مجاناً، ولا سيما الحبوب المحاصرة في الموانئ الغربية. في السياق، يعد الهجوم على جسر القرم، الذي يربط شبه الجزيرة بمنطقة كراسنودار، في 8 تشرين الأول 2022، فصل من فصول الإرهاب ارتكبته أوكرانيا، وضربة كبيرة للاتفاقية الموقعة في تموز الماضي بشأن تصدير الحبوب الروسية. وعليه، فإن هذه المجاعة التي سببها الغرب من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية، ويمكن أن تؤدي إلى صراعات وحروب أهلية.

التدخلات في الانتخابات الأجنبية

تدخلت الولايات المتحدة في العديد من الانتخابات الأجنبية، بما في ذلك روسيا، على وجه الخصوص حملة يلتسين في 1995-1996، والجزائر ولبنان والعراق وباكستان واليمن وفنزويلا. وهذا، باستثناء الدول التي شاركت فيها الولايات المتحدة في عدد كبير من الانقلابات: تشيلي 1973- البرازيل 1964- فيتنام -1963- جمهورية الدومينيكان -1961- الكونغو -1960- غواتيمالا -1954- إيران 1953.

التدخل في اثيوبيا

تم تدمير اقتصادات إثيوبيا والصومال في التسعينيات من قبل العملاء الأمريكيين، حيث تم سحب الحبوب من هذه البلدان في مقابل المساعدة والإمدادات المفترضة لمنتجات الكائنات المعدلة وراثياً، لكن تلاشت قبضة الولايات المتحدة الخانقة مع وصول رئيس الوزراء، الحائز على جائزة نوبل للسلام، السيد أبي أحمد الى السلطة.  وبالتالي، تسعى واشنطن إلى اعادة السلطة لمتمردي الجبهة الشعبية لتحرير “تيغري” الذين حكموا إثيوبيا لما يقرب من 30 عاماً، وأطاعوا الولايات المتحدة. وهذا ما يفسر لماذا رفضت الجبهة الشعبية لتحرير “تيغري” مفاوضات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي، ودعت إلى التدخل الغربي في إثيوبيا قبل استئناف الحرب في 24 آب 2022. وهكذا تم كسر الهدنة التي استمرت خمسة أشهر مع الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، فيما أعلنت واشنطن منذ ذلك الحين فرض عدة عقوبات ضد إثيوبيا.

 وفي ليبيا أيضاً

بعد التدخل العسكري الكارثي للولايات المتحدة والناتو في ليبيا، استمرت الانقسامات في تعريض البلاد للخطر، بعدما كان معمر القذافي يسعى على مستوى القارة انتشال إفريقيا من الفقر من خلال تطوير برنامج إنمائي كبير، لكن الناتو أحبط هذه المحاولة الرامية لإنشاء دول مزدهرة، والأسوأ من ذلك، أدى الإمداد الهائل بالأسلحة الغربية للمسلحين الليبيين إلى انتشار الأسلحة في منطقة الساحل وخاصة في مالي.

ففي 19 أذار 2011، بدأت القوات الأمريكية / الناتو القصف الجوي البحري لليبيا، وفي غضون 7 أشهر، نفذت القوات الجوية الأمريكية / الناتو 10000 هجوم جوي وبري. وفي 30 أذار 2011، نشرت الصحف الدولية أن باراك أوباما، الذي تجاوز تماماً صلاحيات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، وقع على أمر سري يهدف إلى دعم المسلحين الذين يسعون للإطاحة بالقذافي. ثم قام الناتو بتزويد تلك الجماعات المسلحة بكمية كبيرة من الأسلحة في انتهاك كامل لحظر الأسلحة، حيث أدى هذا الدعم الغربي إلى ثني الجهات الفاعلة في الصراع عن الموافقة على وقف إطلاق النار. لقد كانت ليبيا قبل هذا الهجوم، وفقاً لتقرير البنك الدولي في عام 2010، تنعم بمستوى مرتفع من النمو الاقتصادي مع زيادة سنوية في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.5 ٪ وسجلت مؤشرات تنمية بشرية عالية بما في ذلك الوصول الشامل إلى التعليم الابتدائي والثانوي وأكثر من 40٪ للجامعات، فيما وجد حوالي مليوني مهاجر، معظمهم من الأفارقة، عملاً هناك. وكانت الاستثمارات الليبية في إفريقيا أساسية لخطة الاتحاد الأفريقي لإنشاء ثلاث مؤسسات مالية هي: صندوق النقد الأفريقي ومقره ياوندي في الكاميرون، والبنك المركزي الأفريقي ومقره أبوجا في نيجيريا، وبنك الاستثمار الأفريقي ومقره طرابلس في ليبيا.

كانت هذه الهيئات ستعمل على إنشاء سوق مشتركة وعملة واحدة لأفريقيا. وبالتالي، ليس من قبيل المصادفة أن تبدأ حرب الناتو لتدمير الدولة الليبية بعد أقل من شهرين من قمة الاتحاد الأفريقي التي أعطت، في 31 كانون الثاني 2011، الضوء الأخضر لتأسيس صندوق النقد الأفريقي،  حيث كشفت رسائل البريد الإلكتروني من وزيرة خارجية إدارة أوباما، هيلاري كلينتون، التي نشرتها “ويكيليكس” كيف أرادت الولايات المتحدة وفرنسا القضاء على القذافي قبل أن يستخدم احتياطيات الذهب في ليبيا لإنشاء عملة أفريقية بديلة للدولار والفرنك الأفريقي.

مالي

غادرت فرنسا مالي نهائياً في منتصف آب 2022 مع نهاية “عملية برخان” بعد أن تواجدت فيها عسكرياً لمدة عشر سنوات تقريباً، كما أنه تحت غطاء التدخل الفرنسي، يمكن للمرء أن يتساءل أيضاً عن اليد الخفية للبنتاغون وأفريكوم (القيادة الأمريكية في إفريقيا). خلف الحرب الغربية المنافقة ضد الإرهاب، هناك مناطق مرغوبة بما في ذلك الشمال، حيث تعمل الجماعات الإرهابية باحتياطيات نفطية ضخمة، وخلال اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 18 تشرين الأول 2022، حدثت نقاشات ساخنة حيث كانت باماكو تطالب دون جدوى منذ شهور بعقد اجتماع خاص للأمم المتحدة، متهمةً فرنسا بدعم الإرهابيين. وفي 16 آب 2022، قدمت مالي أيضاً شكوى متهمةً فرنسا بقيامها بجمع وتسليم المعلومات للجماعات الإرهابية وكذلك الأسلحة والذخيرة.

سورية

بعدما فشل الغرب في حربه العسكرية الشرسة على سورية، لجأ الى الحرب الاقتصادية بفرض العقوبات الاقتصادية الجائرة التي جعلت السوريين يعانون من تبعاتها الثقيلة في حياتهم اليومية، والسيطرة على آبار النفط والقمح، ودعم المشروع الانفصالي لميليشيات “قسد”، وشن الضربات الاستعراضية والإعلامية على أهداف للإرهابيين. انتهزت الولايات المتحدة تواطؤ الميليشيات الانفصالية لسرقة النفط السوري ونقله إلى قواعدها العسكرية في الأراضي العراقية. وكذلك سرقة القمح السوري. ومعروف للقاصي والداني أن الولايات المتحدة لا تتردد في دعم ما يسمى” هيئة تحرير الشام” الارهابية المتفرعة من تنظيم “القاعدة”، تماماً كدعمها المالي واللوجستي لبقية التنظيمات الإرهابية التي تم استقدامها إلى سورية، بالإضافة الى دعمها لتنظيم “داعش”. و تشهد العديد من الوثائق بالتالي أن هذا التنظيم الذي تم تشكيله ودعمه من قبل الجنرال ديفيد بترايوس، أولاً بصفة عامة من وكالة المخابرات المركزية التي كان مديراً لها، ثم بصفة خاصة من الشركة المالية ” كي كي أر” بمساعدة كبار المسؤولين الأمريكيين والدوليين. ولا يجب إغفال دور فرنسا في هذه الحرب الشرسة على سورية، حيث كانت رأس الحربة في جوقة المتآمرين، وقدمت كل الدعم بكافة أشكاله للإرهابيين المحليين والأجانب، كما قامت شركة “لافارج” المصنعة للإسمنت، التي أقرت بأنها مذنبة بارتكاب “انتهاك للحظر” و “تمويل مشروع إرهابي” و “تعريض حياة الآخرين للخطر” و “التواطؤ في الجرائم ضد الإنسانية، بتقديم حوالي 6 ملايين طن من الأسمنت لـ “داعش” لبناء منشآت تحت الأرض، كما سمحت “لافارج” في وقت لاحق للقوات الخاصة الفرنسية باستخدام مصانعها كقاعدة عسكرية، والأهم  أن “لافارج” تعاملت مباشرة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومديرية الأمن العام الفرنسية.

تايوان

تهدف التدخلات والرحلات الأخيرة التي قام بها المسؤولون الأمريكيون إلى تايوان في سياق اقتصادي عالمي الى ردع تقدم الاقتصاد الصيني الصناعي والاقتصادي عموماً. ورداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان في آب الماضي، أجرى الجيش الصيني مناورات عسكرية واسعة النطاق بالقرب من الجزيرة. كما وضع الجيش الصيني أيضاً في حالة تأهب قصوى لقطع أي استفزاز بعد عبور سفينتين حربيتين أمريكيتين من مضيق تايوان، الأمر الذي أدى إلى تجدد التوتر في المنطقة.

العراق

أقدمت إدارة بوش الإبن على شن العدوان على العراق بناءً على اتهامات مفبركة وكاذبة، بامتلاكه أسلحة دمار شامل، بالتواطؤ مع حكومة بلير البريطانية، ومن ثم احتلال استمر عشرة أعوام أسفر عن قتل وتشريد وتهجير العراقيين، وسرقة ثروات العراق النفطية، بالإضافة الى استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من قبل جنود الاحتلال الأمريكي ضد الشعب العراقي، ما سبب تشوهات وأمراض لم يسلم منها حتى الأجنة في أرحام الأمهات.

أوكرانيا

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذه الحرب، التي أرادوها ودعموها مالياً وعسكرياً، هي وسيلة لتحقيق عدة أهداف تتمثل في الحفاظ على القبضة على أوكرانيا وتعزيزها، وإضعاف روسيا والاتحاد الأوروبي، المنافسين المباشرين لها، والحفاظ على إبقاء أوروبا إلى جانبها لإبقائها في حالة طاعة عمياء، وتعزيز التماسك داخل الناتو، والحفاظ على الأمل في عائد استثماراتها، حيث تعتبر الأراضي الزراعية الأوكرانية من بين أكثر الأراضي خصوبة في العالم، وتثير شهية الطامعين. مع العلم أن أوكرانيا لم تكن دولة ذات سيادة منذ نهاية عام 2014، عندما دفعت الولايات المتحدة، مصحوبة بالاتحاد الأوروبي، نظام كييف الى عدم التفاوض مع روسيا على وقف إطلاق النار من خلال إرسال الأسلحة له بكافة أشكالها.

من الواضح أن مسرح الحرب الليبي والسوري لم يكن درساً للغرب، الذي يكرر نفس الأخطاء، ألا وهي الإيصال المكثف للأسلحة الذي سينتهي بأيدي الإرهابيين المنتشرين في جميع أنحاء المنطقة، وبالتالي أخطاء الناتو هذه متعمدة وتعمل على دعم الإرهاب الدولي. وخلاصة الكلام، إن تدخل الولايات المتحدة وتوابعها، الاتحاد الأوروبي، هو كارثة عالمية، وبدلاً من جلب الازدهار والسلام، تعمل على إثارة التوترات الداخلية في الدول السيادية من أجل تطبيق الأجندة الغربية المتمثلة في الاستيلاء على الثروة الطبيعية لهذه الدول على مرأى المنظمات الدولية التي تلتزم الصمت، لأنها بكل بساطة تحت السيطرة الأمريكية.