اقتصادصحيفة البعث

العمالة والعاطلون عن العمل في أحدث إصدارات “منظمة العمل الدولية”

البعث- مراجعات

محاولات عدة ومعارض وملتقيات محلية تقارب قضية البطالة والعاطلين عن العمل في سورية عبر ملامستها لقشور هذه القضية الشائكة (تأمين فرص) التي تتطلب الكثير من البحث والدراسة والإعداد للوصول إلى حلول توفر الممكن والمتاح في ظل الظروف التي نمر بها داخلياً، إلاَّ أن هذه القضية ومفرزاتها  وحتى على الصعيد الإحصائي غير موفقة ودقيقة في نتائجها لغاية الآن، نتيجة لتضارب البيانات والأرقام بين الباحثين المهتمين بهذه القضية وبين الجهات ذات العلاقة والمسؤولة عن ذلك.

ملتقى”بوابة العمل 2022″ المقام حالياً، وقبله معرض “فرصة عمل” الذي أقيم مؤخراً في دمشق، سلطا الضوء على قضية العمالة والعاطلين عن العمل، عبر عرضهما للفرص دون الخوض في متطلبات مواجهة هذه القضية على صعيد الاقتصاد الكلي والجزئي وسوق العمل وربط التعليم به، والأهم دور الإنفاق المالي للدولة كي تتمكن من النهوض بأعباء البطالة المتفاقمة في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية القاسية.

في سياق ما تقدم من المفيد الإطلاع والاستفادة من الأبحاث العالمية في هذا الشأن، عبر ما يصدر من كتب وأبحاث تتناول قضية البطالة وفرص العمل واحتياجات مكافحة هذه القضية، فتحت عنوان “التصدي لبطالة الشباب: دليل جديد على قضايا السياسات الأساسية”، وهو عنوان كتاب يعدّ أحدث إصدار في سلسلة تصدرها منظمة العمل الدولية في السنوات الأخيرة، يتناول اتجاهات وسياسات التوظيف، حيث تم تسليط الضوء فيه على التحديات العالمية التي تواجه الشباب، واقتراح سياسات لتوفير مزيد من فرص العمل اللائق لهم، سواء أكانوا شابات أم شباباً.

2 من كل خمسة عاطلين..

يحاول مؤلف الكتاب نال أوهيغنو وهو أخصائي أبحاث بارز في برامج توظيف الشباب في المنظمة، الإجابة كما غيره من الباحثين عن سؤال يتمحور حول “كيف يمكننا تغيير هذا الوضع؟” أي تغيير واقع البطالة..، حيث يواجه الشباب الذين يدخلون سوق العمل في الوقت الراهن مهمة شاقة لإيجاد فرص عمل لائق دائمة. فمعدلات البطالة ترتفع باستمرار في ظل ازدياد فرص العمل المؤقت وغير المنظم وغيرها من أشكال العمل غير الثابت، إذ أن هناك اثنين من بين كل خمسة شباب أو شابات في العالم إما عاطلون عن العمل أو يعملون ولكن يعيشون في فقر.

تحذير.. التوسع المالي فوراً

يتناول الكتاب أدلة جديدة على تدابير تعزيز فرص عمل الشباب، ابتداء من الاتجاه إلى زيادة المشروعات الصغيرة وانتهاء بنجاح سياسات الاقتصاد الكلي.

وتبين تحليلات الكتاب أن الحكومات تستطيع التدخل بفعالية لتعزيز فرص عمل الشباب وتخفيض البطالة في صفوفهم من خلال تدابير على مستوى الاقتصاد الكلي، فالتوسع في الإنفاق العام مثلاً -عن طريق برامج توظيف وتدريب ضخمة مدعومة– يعتبر سياسة مجدية لتعزيز تشغيل الشباب في فترات تراجع النشاط الاقتصادي.

وكي يصبح التمويل الحكومي أكثر جدوى، يجب أن يكون منظماً نسبياً، لهذا عندما يحل الركود الاقتصادي، يجب المباشرة فوراً في التوسع المالي قبل أن يؤدي التدهور الاقتصادي نفسه إلى تفاقم توازن الميزانية.

ومن الأمثلة على هذه المقاربة برنامج الضمان الشبابي الذي طبقه الاتحاد الأوروبي عام 2014، ويهدف إلى توفير التعليم المتميز والتدريب للفئات الشابة التي لا تحظى بفرص العمل أو التعليم، والبرنامج المذكور مصمّم للتأقلم مع الدورات الاقتصادية حيث يتوسع أثناء تدهورها عندما ترتفع معدلات البطالة بين الشباب.

دعم الشركات لتشجيع التوظيف

ووفقاً لما جاء في الكتاب، يمكن أن تلعب برامج مماثلة لبرنامج الضمان الشبابي (كتقديم دعم مالي للشركات التي توظف الشباب)، دوراً فاعلاً في تحفيز توظيف الشباب.

كما يلعب التصميم دوراً أساسياً في هذا الصدد، فالأدلة التي يقدمها الكتاب تظهر بوضوح أنه لضمان فعالية برامج دعم الأجور في المدى البعيد، من المهم إدخال عناصر تعزز عملية اكتساب الشباب المشاركين، بشكل رسمي وغير رسمي، لمهارات وكفاءات الحصول على عمل، ولابد من أن تدوم هذه البرامج فترة طويلة تسمح للمشاركين باكتساب المهارات اللازمة و”إثبات ذواتهم” في بيئة العمل المحددة. كما يجب أن يكون الدعم سخياً لدرجة تجعله أكثر جذباً للشركات، ولكي يكون هذا الدعم فعالاً ومجدياً، يجب أن تستهدف فئات محددة من الشباب، مثل المعرضين لفترات بطالة مديدة، والأكثر أهمية من ذلك، يجب أن تتجنب برامج الدعم استبدال عاملين قدامي بشباب توظفوا حديثاً عبر تلك البرامج. إن دعم الأجور مهم وفعال بوجه خاص في فترات الركود الاقتصادي عندما يكون الطلب على العمالة متدنياً.

الكتاب يجيب عن عدد من الأسئلة المهمّة كـ: هل تؤدي الأجور المتدنية إلى تقليل توظيف الشباب؟ الإجابة السريعة هي: لا. فالنظرة المتفحصة إلى الأدلة المعروضة تظهر بأن تدني الأجور في أغلب الحالات يترك أثراً قليلاً أو غير سلبي على تشغيل الشباب. كما يمكن تقليل الأثر السلبي المحتمل عبر تعزيز تشريعات حماية العمل. والقضية هنا ليست حاجتنا للوائح أكثر أو أقل، وإنما في كيفية تحقيق التكامل الفعال بين مختلف مؤسسات سوق العمل.

رسالة مهمة

الرسالة المهمة الأخرى للكتاب هي ضرورة التركيز على تشجيع مشاريع العمل الفردي الجيدة وروح الريادة، ورغم أن هذا التوجه غالباً ما يكون حلاً للمشاكل بالنسبة للأفراد والأسر التي تفتقر إلى فرص بديلة، فإنه ليس مجدياً على الإطلاق على المستوى الشامل. كما أنه من الواضح أيضاً أن برامج العمل الحر لا تستطيع بمفردها حل مشكلة توفير فرص العمل للشباب، لكنها جانب مكمل مفيد لبرامج التشغيل الأخرى كالتدريب ودعم الأجور.

في الدول ذات الدخول المرتفعة غالباً ما يتضمن بحث الشباب عن عمل أعمالاً مؤقتة أو فرص عمل وتدريب دون أجر. أما في الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط فإن ثلاثة من بين كل أربعة شباب يعملون في القطاع غير المنظم دون حماية أو مزايا أخرى كتلك الموجودة في القطاع المنظم، حيث ليس لديهم رواتب تقاعد أو تأمين صحي.

بالنسبة للشباب ذوي الشهادات العليا، تشكل الأعمال المؤقتة أو غير الرسمية مدخلاً نحو وظائف أفضل. أما بالنسبة للفئات الأخرى، وخاصة ذوي التعليم المتدني، فغالباً ما تكون ورطة يعلقون بها.

يظهر التحليل أن سياسات العمل الذكية تساعد في تجنب هذا الوضع، فمثلاً، تلعب برامج سوق العمل الفعالة دوراً أساسياً في تنظيم العمل. كما أن الدعم المالي الحكومي للأجور و/أو جعل التشغيل الذاتي شرطاً للتسجيل القانوني يجعلان العمل المنظم خياراً جاذباً للشباب والشركات على حد سواء.