ثقافةصحيفة البعث

“محبة قلم” يدعو إلى تأسيس أكاديمية تدرّس الخطّ العربي

ملده شويكاني

“وطرّ ما فيه من عيب سوى

أنه مرّ كلمح البصر”..

الموشح الأندلسي الذي خطّته صفاء الشيخ صالح بالخط الكوفي القيرواني تحاط به المنمنمات والزخرفيات، بلوحتها التي شغلت حيزاً في افتتاح مهرجان “محبة قلم” في موسمه الثالث، الذي أقامته جمعية بيت الخط العربي والفنون برئاسة الفنانة التشكيلية ريم قبطان في المركز الثقافي- أبو رمانة.

حفل المعرض بأنواع الخطّ العربي، الذي استمدّ قدسيته من القرآن الكريم، ويعدّ من أجمل فنون الحضارة الإسلامية، وهو لغتنا وهويتنا وتراثنا. وقد شكّلت اللوحات المستمدة من القرآن الكريم القسم الأكبر مع المدائح النبوية ولفظ الجلالة الله ضمن تشكيلات هندسية وفنية مباشرة، إضافة إلى الأقوال والأدعية وأبيات الشعر، فتألقت لوحة الخطاط الأستاذ عدنان شيخ عثمان:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

كما وظّف الحرف العربي ضمن الفضاء التشكيلي بإبداعات الحروفية المقروءة وغير المقروءة، إضافة إلى ارتباط الخط العربي بتراثنا الديني، فتميّزت لوحة عبد اللطيف حلاق بدمج الحرف مع شخصية شيخ الطريقة بجلسات الذكر.

حميمية الانحناءات

الفنان خلدون الأحمد شارك بإبداعاته التشكيلية بإدخال الحرف ضمن التكوينات، مشكّلاً من حرف الضاد لوحة رائعة بتدرجات شكل الحرف، بما يوحي بصدى أصوات موسيقية انسابت على السطح الأسود، بتضاد لوني جميل بالأبيض والأسود.

وفي حديثه لـ”البعث” أوضح أن مشاركته بالمهرجان للمرة الثانية تأتي ضمن مساره الفني بتبني الحروفية بتشكيل الحرف ضمن رؤيته التشكيلية بحميمية تظهر جماليات إيقاعه ضمن العمل بتكوينه بليونته بعلاقته مع اللون، بالانحناءات، هذه الانحناءات الباقية بالذاكرة تستحضر صور الحارات القديمة وبيوتنا بأقواسها وقبابها، وتكتمل بالنقاط الملونة على سطح اللوحة التي توحي بالألفة والمحبة وتتناغم مع حركة الحرف.

ثم سألته عن اللوحة الأساسية المعشقة باللون الأزرق الذي هيمن على التفافات الحروفية، وهي ضمن مجموعة لغة الضاد، فعقب بأنها تتميّز بنسجيها اللوني المستوحى من السماء والبحر، وبيّن أن التشكيل الحروفي يختلف عن كتابة الخط الذي يتبع لقواعد وأسس.

وفي جانب آخر ضمن الحروفية غير المقروءة يشدّ الانتباه الخط الأسود وتشكيلات الحرف ضمن التكوينات المزدحمة بأشكال هندسية تتناغم مع العجينة اللونية وتأثير النقاط الثنائية في لوحات الفنان بشير بشير.

نهج الأقدمين

الخطاط محمد قاسم الذي صمّم لوغو المهرجان، شارك بلوحة لآيات من سورة الواقعة بالمزج بين خط الثلث والنسخ على نهج الأقدمين بطريقة “المرقع”، بالتناوب بين سطر بالثلث وخمسة أسطر بالنسخ، بتناغم جمالي أضفته الزخارف المذهبة التي رسمتها الفنانة الخطاطة صفاء الشيخ صالح.

صعوبة النستعليق

وشارك الخطاط الشهير فرج آل رشي بثلاثة أعمال استخدم فيها خط النستعليق والثلث والديواني الجليّ، استمدها من آيات القرآن الكريم والمدائح النبوية “وجعلتُ حبّ المصطفى ترياقي”، فتحدث عن جمالية خط الديواني الجليّ بتكويناته وانحناءاته، وتشكيلاته، في حين يتصف خط النستعليق برشاقة تدخل بفضاءات الخط ذاته، وهو من أصعب أنواع الخطوط، لاستخدام القصبة بنسب محدّدة بالتنقل بين الأحرف بقفزات نوعية من سماكة إلى أخرى.

فنية مباشرة

المهندسة ونسة العابد استمدت مشاركتها من ليونة الحرف بتوظيفه باللوحة التشكيلية، مستخدمة تقنيات تشكيلية عدة بألوان زيتي وإكليريك ضمن الفضاء التشكيلي اللوني الذي يتوسطه لفظ الجلالة “الله” بفنية مباشرة مع الزخرفة.

الكوفي النيسبوري والفاطمي

أما عبير العودات فارتأت أن تدوّن جملة “ليت الحرب بلا راء، لتسقط الراء ويبقى الحب”، مفردات بسيطة، إلا أن معناها يجعلنا نرى العالم أجمل، وتابعت بأنها دمجت بين خط الكوفي النيسبوري والخط الكوفي الفاطمي مع زخارف نباتية مذهبة.

الخطّ والفسيفساء

الآية الكريمة “وجعلنا من الماء كل شيء حيّ” مع البسملة كانت محور لوحة علاء الغبرة الجديدة، اكتملت مع رسم إبريق محاط بالزخرفة النباتية، وتكسير الفسيفساء ضمن إطار الخشب والجوز والصدف، وأشار إلى قلة معارض الخط العربي، ومن واجبنا دعم الخط العربي، ولاسيما بوجود خطاطين ومزخرفين كبار في سورية.

الوجه الأنثوي والخطّ

كما شغلت لوحة رئيسة الجمعية الفنانة ريم قبطان حيزاً جميلاً بالمعرض بدمجها بين الشعر والتشكيل، فاختارت بيت شعر يختزل فلسفة الحب، للشاعر ابن نباته المصري، فتوسّط الوجه الأنثوي المحاط بالزخارف اللوحة، والتفت حوله المفردات بشكل دائرة تومئ بالمعنى المراد:

كأن الحب دائرة بقلبي

فحيث الانتهاء الابتداء

بخط النستعليق بحبر على ورق بعدة طبقات مع ورق الذهب.

النستعليق في أفغانستان وإيران

وضمن فعاليات المهرجان يشارك الفنان الأفغاني محمد علي فقيري بورشة عمل لخط النستعليق يعرض فيها بعض لوحاته، حيث أوضح أن خط النستعليق أساسي في أفغانستان كما في إيران، فيمضي بمساره الفني بخط النستعليق بشكل أساسي إضافة إلى خط الثلث والنسخ، واستمد لوحاته من القرآن الكريم والشعر الصوفي، ومن التراث العربي.

من كل المدارس

ولم يقتصر الافتتاح على المعرض، إذ ألحق بندوة بإدارة الإعلامي سمير طحان، تحاور فيها الخطاط عدنان شيخ عثمان مع الخطاط فادي أدهم الجعفري والحاضرين عن تاريخ الخطّ العربي، والمسائل المتعلقة به الآن في ظل انتشار الخطوط الإلكترونية والتطور التكنولوجي الذي حمل البعد السلبي للخط بالحدّ من مهنة الخطاط، لكنه فتح المجال أمامه للإبحار بفنه والاطلاع على كل المدارس وأعمال الخطاطين، وتوقف شيخ عثمان عند البصمة التي تميّز مدارس الخط في تركيا ومصر والعراق وإيران، ليصل إلى أن الخط العربي في سورية يأخذ من كل المدارس.

اختتمت الندوة السيدة رباب أحمد بالتأكيد على اقتراح تأسيس أكاديمية لتدريس الخطّ العربي. وخلال الندوة تمّ تكريم الفنانة ريم قبطان من قبل وكالة إيران اليوم الإخبارية وقناة إيران اليوم الإلكترونية.