مجلة البعث الأسبوعية

رهان على تخفيض أسعار الخدمات الصحية وضبط الأسواق..

دمشق – بشير فرزان

تنشغل جميع شرائح المجتمع السوري في مراقبة القرارات والإجراءات التي تساهم  في تحسين الحالة المعيشية ،فتنطلق الامال من مؤشرات السوق والمراهنة على تخفيض الاسعار وسقوط الدولار امام الليرة السورية الى احلام زيادة  الرواتب والأجور ، وتلجا بعض شرائح المجتمع لطرح افكار خلبية حول الظلم الذي يتعرضون له نتيجة  انخفاض اجورهم مقابل ارتفاع التكاليف للمواد التي يعتمدون عليها في مهنتهم  وما يلفت النظر في قضية رفع الاجور هو عدم الحديث المنطقي في عرض مشاكلهم وغياب اهم جانب فيها وهو القدرة المعيشية للمواطن ، كالصيحات العديدة  التي جاءت على لسان رؤساء النقابات كنقابة طب الاسنان وغيرها تشكي الظلم الذي يطالها من قلة الاجور رغم ان الواقع يشير الى غير ذلك .

اجور الصحة

يختلف الواقع المعاش عن تلك الصيحات التي تريد سحب  الحبل الى جانبها  فالواقع يشير ان معظم من ينددون بضعف الاجور الى انهم يحصلون على اكثر من أجورهم بكثير ، فالجميع يعلم أن بعض كشفيات الأطباء تصل الى 70000 ليرة سورية ،اما بالنسبة  للأدوية يمكننا من خلال الواقع ايضا الاشارة الى السمسرة التي يتبعه الصيادلة لتامين بعض الادوية الاجنبية وابتزاز المواطن للحصول عليه رغم توفرها في الاسواق وهي حالة باتت من المسلمات بالنسبة لنا ،هذا مايدفعنا للحديث عن كشف الواقع قبل الاصغاء لتلك الصيحات التي تدعوا لرفع الأجور وهنا يؤكد العديد من دكاترة الاقتصاد أن الهوة أصبحت كبيرة جدا بين دخل المواطن  واحتياجاته فهو الجهة المظلومة في تداعيات ارتفاع الدولار اذ لايمكن ان يتناسب الراتب مع اجار الطبيب او الادوية او غيرها من الخدمات الاخرى التي ارتفعت اجورها بشكل تلقائي والمشكلة الاكبر هي ان يتم المقارنة مع الدول الاخرى ورفع الاجور على هذا الاساس لان المؤشر الحقيقي لرفع الاجور هو دخل المواطن اذ لايمكن ان تكون كشفية الطبيب تصل الى  70000 ليرة سورية  عندما يكون دخل المواطن لا يتجاوز في اعظم الاحوال  100000 ليرة سورية ، وبمعنى أخر لايمكن أن تكون عدالة الاجور مبنية على سوء معيشة المواطن ، ومن المنطق أن تتناسب رواتب ومعاشات الموظفين مع الارتفاعات الحاصلة وخاصة المتعلقة بقطاع الصحة من تكاليف معاينة وعلاج وأدوية وغير ذلك .

واذا كان كل قطاع يبحث عن حلول اقتصادية لمشكلاته دون الاخذ بعين الاعتبار الواقع المعيشي سنصل بالنتيجة الى فوضى معيشية غير قابلة للاستدراك ، لذلك لابد من وجود معايير وضوابط  تبنى عليها الية رفع الكشفيات والأدوية والعمليات الجراحية وتكاليف الجامعات والمدارس الخاصة وغيرها من القطاعات التي تنفرد بوضع اسعارها معتمدتا على لائحة تكاليف تبدو وهمية الى حد ما بالنسبة لما تقدمه من خدمات فاسوأ روضة أطفال في سورية يبلغ فيها القسط السنوي نحو 1000000 ليرة سورية  اما روضة الاطفال التي تقدم نموذج متطور للتعليم قد يصل فيها القسط السنوي الى 2000000 ليرة سورية وهناك مدارس للمراحل المتقدمة يصل فيها القسط لأكثرمن 5000000 بكثير وإذا اجرينا مقارنة بين تلك الاقساط والرواتب التي يتقاضها الموظفين في القطاعين العام والخاص فإننا نجد تفاوت كبير وغير مقبول مابين تلك المدارس والروضات ورواتب الموظفين ،ولا يبدو ان هناك معادلة صحيحة في وضع تلك الاجور العالية وهنا لا نتحدث عن جودة الخدمة المقدمة او قيمتها الحقيقة لأننا نعلم جيدا ان الجودة فيها لا تستحق تلك المبالغ ، وإذا أردنا الكشف عن أجور الجامعات الخاصة فان المصيبة اكبر .

وقد يتحول مبنى  في دمشق الى مشفى او مدرسة او أي مشروع استثمارية وهي حالة موجودة بكثرة في واقعنا الذي تغيب عنه المعايير المناسبة لأي مشروع استثماري ، وببساطة شديدة يستطيع صاحب المشروع فرض شروطه وأسعاره بعيدا عن مستوى الخدمة التي يقدمها فلا يوجد من يحاسب او يراقب تلك الخدمات ، ويرى الخبير الاقتصادي منير محمد أن جميع الأسعار للمدارس او المشافي الخاصة  تكاد تكون واحدة ومتقاربة رغم اختلاف مستوى الخدمات فيها  ،فغياب الرقابة وعدم وجود جهات معنية تحدد جودة ومستوى الخدمة المقدمة سمح بفوضى الاسعار لتلك الخدمات الطبية والتعليمة ، فالمدرسة التي تعلم اكثر من لغة في منهاجها والتي تعتمد على وسائل تعليمية حديثة والتي لديها مبنى يتناسب مع طبيعة عملها التربوي كالباحة الواسعة وعدد الصفوف ومستوى المدرسين تختلف كثيرا عن المدارس التي تعمل بطريقة بسيطة أي انها تعتمد على المنهاج المحدد من قبل وزارة التعليم وتعتمد على كوادر اقل أي انه لا قيمة مضافة على عملها ومن هنا يكون الاختلاف في تحديد الأسعار ، وهذا ينطبق على خدمات المشافي من طبيعة المبنى وعدد الغرف والأسرة والأجهزة الموجودة فيها والتي على اساسها يجب وضع الاسعار .

ويرى بعض الخبراء ان الفوضى التي سببتها اسعار تلك الخدمات لا تتعارض فقط مع دخل الفرد وإنما تتعارض مع المستوى الذي يجب ان تكون عليه تلك المدارس والمستشفيات ،وبما ان السياسة الاقتصادي تدعوا الى حكمة خفض وتثبيت الاسعار قبل  رفع الرواتب للموظفين فهي فرصة ذهبية لوجود لجنة حكومية تعمل على تحديد اسعار الخدمات لتلك المشافي والمدارس وربطها بالواقع تماما كما تفعل في القطاعات الصناعية والتجارية وغيرها ،اذ ليس من العدالة ان يتحمل المواطن فقط تداعيات الازمة الاقتصادية في البلد وأي ارتفاع للأجور في أي جهة كانت يجب ان يكون مبنيا على دراسة اقتصادية وواقعية تتلاءم مع الوضع الاقتصادي العام .