دراساتصحيفة البعث

الاعتقالات الإدارية في “غوانتانامو” الإسرائيلي

هيفاء علي

تمّ ترحيل المحامي الفرنسي، الفلسطيني الأصل، صلاح الحموري إلى باريس من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في 18 كانون الأول 2022. هذا الترحيل يشكّل “جريمة حرب” جديدة، بالمعنى المحدد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فمنذ احتلال فلسطين من قبل الكيان الإسرائيلي، تم استخدام أنظمة الطوارئ البريطانية ضد الفلسطينيين، وبعد عام 1967، في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

صلاح الحموري، معتقل من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ آذار 2020، دون إبداء السبب، وبموجب أوامر حالة الطوارئ التي تنفذها حكومة الكيان الإسرائيلي لقمع المقاومة الفلسطينية. تسمح هذه الأوامر، في صيغتها الحالية، بسجن أي شخص دون سبب أو حكم عام، ودون تقديم أي معلومات لمحاميه، مدة ستة أشهر قابلة للتجديد إلى أجل غير مسمّى من قبل قاض عسكري.

واستناداً إلى أوامر الطوارئ البريطانية، من الناحية القانونية، تسمح ثلاث مجموعات من اللوائح الآن بالسجن دون سبب لفترة غير محددة. وينطبق البند 285، من الأوامر العسكرية رقم 1651، على الفلسطينيين في الضفة الغربية، بموجب قانون ما يسمّى بـ “المقاتلين غير الشرعيين”، الذي سمح باعتقال سكان قطاع غزة منذ الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005. هذه الأوامر نفسها سمحت لقوات الاحتلال الإسرائيلي بسجن حموري دون سبب رسمي لمدة ثلاث سنوات، بين عامي 2005 و2008. في غضون ذلك، أعدّ القضاء العسكري الإسرائيلي لائحة اتهام لحموري بالانتماء إلى “منظمة غير قانونية”، ويقصدون الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتخطيط لمحاولة اغتيال حاخام سفارديم الأكبر لـ”إسرائيل “. استمر حموري في إنكار هذه الحقيقة قبل الإقرار بالذنب بناءً على نصيحة محاميه، بهدف وحيد هو تخفيض عقوبته إلى النصف، كما هي الحال مع جميع المعتقلين السياسيين الفلسطينيين، تمّ ذلك في 17 نيسان 2008.

قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مدة عقوبته، أطلق سراح صلاح الحموري في 18 كانون الأول 2011، مع 550 أسيراً آخرين، في تبادل مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، الأسير لدى حركة الجهاد الإسلامي في غزة. بدأ الحموري دراسته في القانون فور إطلاق سراحه من السجن، واجتاز نقابة المحامين الفلسطينية في 20 آب 2017، قبل ثلاثة أيام من اعتقاله. منذ إطلاق سراحه، لم تتوقف قوات الاحتلال عن مضايقته، وكانت النقطة القصوى هي طرد زوجته الفرنسية، في كانون الثاني 2016، وكانت حاملاً في شهرها السادس. وبحسب نشطاء، يعدّ اعتقاله الإداري الجديد جزءاً من سياسة مطبقة لمدة خمسين عاماً في الأراضي الفلسطينية، وقبل تطبيقها على الفلسطينيين، استخدم الكيان الإسرائيلي أوامر الطوارئ هذه على نطاق واسع ضد الفلسطينيين الذين تمسكوا بأرضهم بعد عمليات التهجير الجماعي في 1947 – 1950، حيث أخضعوا، في اليوم التالي لإنشاء الكيان الإسرائيلي، لـ “حكم عسكري” استمر حتى عام 1966، وفرضت قيود صارمة على حركتهم، وحظر تجول متكرر، واعتقالات إدارية.

مع إعلان ما تسمّى “دولة إسرائيل”، كان من المتوقع أن تكون إحدى خطواتها الأولى إلغاء أداة القمع الاستعماري هذه، لكنها لم تفعل ذلك، بل زيادة على ذلك، فإن لوائح الدفاع لم تظل سارية المفعول فقط، ولكن تم تطبيقها من قبل السلطات الجديدة كما لو أن شيئاً لم يتغيّر. والمادتان الأكثر شهرة هما 110 و111: الأولى تحدّد شروط الإقامة الجبرية، والثانية تسمح بالاعتقال الإداري لأي شخص قررت سلطات الحكومة العسكرية احتجازه، لسبب أو لآخر، لإطالة أمد الاعتقال إلى أجل غير مسمّى، دون محاكمة، ودون توجيه اتهامات له، ما يشكل نوعا من “غوانتانامو” تمّ إضفاء الشرعية عليه بحكم أمر واقع مستمر منذ قرابة 70 عاماً.

المحكمة العليا الإسرائيلية نفسها، وفي العديد من القرارات، اعترفت بعدم وجود وسيلة للسيطرة على أوامر الطوارئ هذه، لأن الولاية القضائية لهذه المحكمة ذات طبيعة محدودة للغاية في الأمور المتعلقة بالسيطرة على أفعال السلطة المختصة التي تعمل بموجب لوائح الدفاع للطوارئ لعام 1945، حيث إنها تمنح السلطة المختصة سلطة اتخاذ إجراء ضد أي فرد عندما “يعتبر” أو “يبدو” أن الشروط المحددة تتطلب ذلك، ويترتب على ذلك عموماً أن السلطة المختصة هي نفسها الحكم النهائي على وجود هذه الشروط.

باختصار، يكفي أن يمثل ضابط الأمن أمام القاضي ويعلن: “أشك في أن هذا الشخص” يخطط لعمل يهدّد أمن إسرائيل، دون تحديد هذا الخطر، لأن المحكمة تعلن أنها غير مؤهلة وتسمح بالحبس بدون سبب معلن وبدون حد زمني لأي فرد”. هذا وتنطبق أوامر الطوارئ هذه على الجميع، ولكن حتى عام 1967، لم يتعرض سوى عرب إسرائيل للاعتقال الإداري.

ووفقاً لتقدير الحكومة الفلسطينية، فمنذ عام 1967 تم سجن حوالي 100.000 فلسطيني “إدارياً”، لفترات تتراوح من شهر واحد إلى عدة سنوات، ومنذ  عام 2002، طال هذا الإجراء 636 فلسطينياً ​​شهرياً.