الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أكثر من عيب.. سيدة أورسولا!

حسن حميد 

أعترفُ، بأنني انكمشتُ على نفسي مثل قنفذ، وأنا أقرأ نصّ برقية التهنئة التي أرسلتها أورسولا دين فون لاين، مفوضية خارجية الاتحاد الأوروبي، إلى حكومة الكيان الإسرائيلي بمناسبة 15 أيار، أيّ نكبة الشعب الفلسطيني، وإقامة كيان الاحتلال الإسرائيلي.

انكمشتُ على نفسي، ليس للصفاقة السياسية التي تلفّ نصّ التهنئة، ولا للكذب المفضوح الجهير المرافق لكلّ كلمة فيه، ولا للذل والانحناء المخزيين للإسرائيليين بوصفهم جهة التهنئة، ولا للقفز الشنيع عن تاريخ نضالي مشرّف للفلسطينيين عمره قرن كامل من الزمن، يطالبون فيه، وما زالوا، بحريتهم، حرية الأرض والإنسان والسيادة، ولا للعماء والتجاهل والبطش والقتل والعنصرية التي مارسها الإسرائيليون طوال ثلاثة أرباع قرنٍ من سفك للدماء الفلسطينية، وتهجير، وتشريد، وسجن، واعتقال، ومنع للحريات، والتعليم، والعيش بكرامة في الوطن الفلسطيني الذي عمّرته أيدي الأجداد منذ أن أنسن الخلقُ الأنهار والغابات والبحار والصحارى والحقول وشقّوا الدروب نحو العمران والجمال والكتب والفنون!.

انكمشتُ على نفسي مثل قنفذ، وأنا أقرأ نصّ برقية أورسولا، لأنها تصفُ الكيان الصهيوني بالديموقراطية، والحضارة، والعمران، واحترام حقوق الإنسان، والإيمان بالعلمانية، والعدل، والمساواة بين مكونات المجتمع الإسرائيلي!

انكمشتُ على نفسي مثل قنفذ خجلاً من كتابة فاقدة للحياء، والموضوعية، والإبصار، ذلك لأنّ هذا الكيان الإسرائيلي، وقبل أن تولد السيدة أورسولا، قام على المذابح والمجازر التي اقترفتها الأيدي الإسرائيلية الآثمة، وبمساندة كلًها شناءة من الدول الأوروبية التي تمثّل دبلوماسيتها اليوم السيدة أورسولا، وإن كان قصر النظر المصابة به السيدة أورسولا لا يصل بها إلى مجازر دير ياسين والطنطورة، والحسينية، فهو لا شك يصل بها إلى ما يفعله الكيان الإسرائيلي إلى ما يحدث اليوم، وفي كلّ ساعة، في البلاد الفلسطينية من قتل، واعتقال، ونفي، وحصار، ومطاردة، إلا إذا كان العماء قد أطبق على بصيرتها تماماً.

بلى، يا سيدة أورسولا، إنك تمشين في دروب أجدادك، دروب الدم، والكراهية، والكذب، والتزييف، والعماء، والقوة!

أجدادك الذين أسّسوا للظلم في بلادنا الفلسطينية، حين ساعدوا وساندوا وحموا الإسرائيليين من أجل أن يحتلوا الأرض الفلسطينية، ويقترفوا المجازر بحقّ أهلها، وأن يعتقلوا ويسجنوا من قال: بلادي.. بلادي، وأن يهجّروا ويطردوا الملايين من الفلسطينيين خارج ديارهم، وأن يدمّروا مئات القرى ويجعلوها مقابر، وأن يدنّسوا دور العبادة، ببغالهم وأحذية جنودهم وروائح بارودهم، وأن يخرّبوا الحقول، حقول القمح والورد وعبّاد الشمس، وأن يغلقوا المدارس والمشافي ويقطعوا الطرق، ويشلّوا الحياة!.

أجدادك، بلفور، وتشرشل، وسايكس، وبيكو، وبونابرت، وهتلر، واللنبي، وهربرت صموئيل، وبنيامين دزرائيلي، وجيمس جويس، وكافكا، وماكس برود، وسارتر، وكونديرا،.. ومن شابههم في القول والسلوك، هم من أوجدوا ودافعوا عن كيانة الدم، والقتل، والاحتلال، والظلموت الفاجر في بلادنا الفلسطينية، وها أنت، تعصبين العينين، وربما العقل أيضاً، لتتحدثي بكلام أخرق لا مصداقية له، ولا معنى أخلاقي طيّه، عن ديموقراطية كيانية هزيلة لا مثيل لها في تاريخ الدنيا كلّها، كيانية ضعيفة هجينة خديجة لولا إسنادكم الغربي المتوحش لها!.

إن كنتِ كذلك، يا سيدة أورسولا، معصوبة العينين والعقل، ومقيدة اليدين والقدمين، فإنني أقول لك صادقاً، هذه الكيانية الإسرائيلية ليست لغزاً، ولا متاهة، ولا كتابة غموض، ولا لوحة سيريالية، لأنّ متابعة واحدة لما تفعله هذه الكيانية ولمدة أسبوع واحد فقط، ستقول لك حقيقتها، من أنها: ليست ديموقراطية في شيء على الإطلاق، إنها كيانية للتطرف والعماء في كلّ شيء، وهي ليست كيانية علمانية، بل كيانية مستغرقة في القولات الدينية (وأنتم في أوروبا حاربتم من أجل الدولة العلمانية)، ومع ذلك تصفين هذه الكيانية بالعلمانية، وهي ليست كيانية عمران لأن ديناميتها نسف كلّ العمران الفلسطيني الذي سبق إمبرطوريات الرومان والبيزنط والفرنجة وأشباههم بآلاف السنين، ومازال الديناميت الإسرائيلي (ديناميت نوبل) ينسف بيوت الفلسطينيين بيتاً بيتاً، لأنّ بيوت الفلسطينيين تصرخُ صباح مساء: موطني، موطني! وهذه الكيانية لا عدل فيها ولا مساواة، ولا قيم، ولا قانون، ولا شرائع إنسانية، ولا حقوق، ولا حوار، ولا أخلاق، وما قلته في نصّ برقيتك، سيدة أورسولا، هو أكثر من تزييف، إنه عيب فاقع!.

أعرفُ أنك ستندمين على ما قلته في نصّ برقيتك المرسلة إلى كيانية الدم والظلم في هذه الأيام، وأننا سنرى ترسيمات هذا الندم عندما يذهب المنصب منك إلى غيرك، وعندما تجلسين لتكتبي سيرة حياتك!.

قبلك تغوّل الكثيرون وغالوا بمناصبهم، لكنهم، في النهاية، ندموا لأنّ الحقّ ضوء وحياة ومعنى، والكذب كذب، والزيف زيف، وهذه الكيانية الإسرائيلية التي أقمتموها بالقوة ليست سوى الكذب والزيف، إنها، يا سيدة أورسولا، تعريشٌ من زبد زائل.. لا ريب!.

Hasanhamid55@yahoo.com