ثقافة

بعد كتبه في الشاميات د.رضوان الداية: اهتمامي بالعامية ليس انحيازاً لها

لم يأتِ اهتمامه بالأدب الأندلسي عفوَ الخاطر أو وليد اللحظة وهو الذي تأثر بأساتذة له في هذا المجال أمثال عمر فروخ اللبناني الذي كان يأتي إلى دمشق ليدرِّس في جامعتها تاريخ الأدب الجاهليّ والإسلاميّ والأمويّ والأندلسيّ، وقد أثار في نفسه حبّ الاطلاع على آفاق الحضارة العربية ولاسيما تلك التي تركت آثارها في الأندلس ليؤكد د.رضوان الداية في حواره مع “البعث” على هامش استضافته من قِبَل مركز ثقافي أبو رمانة من خلال ندوة برنامج “كاتب وموقف” للحديث عن كتابه “الكنايات العامية الشامية وأصولها الفصيحة” أن أي شيء مشرقيّ شاميّ يمكن أن نجد له صدى في الأندلس باعتبار أن الفتوحات أصلاً كانت أيام الدولة الأموية فانتقلت عاداتنا وتقاليدنا إلى الأندلس مدة طويلة إلى أن صار لها هوية محلية أندلسية، وبالتالي يشير إلى أن اهتمامه بالأدب الأندلسيّ يعود لأمرين: الأول الجانب الحضاريّ والإنسانيّ لهذا الجزء من العالم العربيّ الإسلاميّ، والثاني الاهتمام الشخصيّ المبكر بكل ما يتعلق ببلاد الأندلس وبألوانها المختلفة من آداب وعلوم وفنون.

بوابتنا إلى العالم
وبعد أكثر من أربعين كتاباً حول الأدب الأندلسيّ يشير د.الداية إلى أنه مازال مستمراً في تسليط الضوء على هذا الأدب، ويُعَدّ كتابه في الأدب الأندلسي من أواخر ما ألّفه، موضحاً أنه أراد من خلال هذا الكتاب أن يتوجه إلى القارئ العادي وطلاب الجامعة وهو يلخص حياة الأدب في الأندلس مع تسليط الضوء على أبرز شخصياته، منوِّهاً إلى أنه يعكف أيضاً على كتابة تاريخ الأدب الأندلسيّ الموسّع والذي من المقرر أن يصدر في ثلاثة أجزاء، مبيناً أنه اختار لنفسه في هذه الكتب منهجاً استكمل فيه بعض المعلومات الضرورية عن أهم الاتجاهات الأدبية في بلاد الأندلس والعلاقة بين المشرق والأندلس، والأندلس وأوربا في الفنون كافة، مع إشارته إلى تأثير الأندلس الكبير على الغرب، وهذا ما دعا مستشرقين كثراً إلى إصدار مؤلفات كثيرة عن هذه البلاد، خاصة وأن وجود العرب فيها كان وجوداً حضارياً بكل معنى الكلمة، ولولا ظروف التاريخ الصعبة لكان من المفترض أن تبقى الأندلس بوابتنا إلى العالم وهي التي ظلّت حاضرة في ذاكرة الجميع، وقد بقيت جزءاً من الثقافة العربية الإسلامية.

“شاميات”
ولأن التراث الدمشقيّ الشاميّ جزء من الثقافة العربية الإسلامية يهتمّ د.الداية أيضاً بما يسمى “الشاميات” فأصدر معجم الأمثال العامية والشامية، معجم الكنايات العامية والشامية، معجم العامي الفصيح في كلام أهل الشام، معجم الأحاديث المشتهرة “أمثال شامية مؤسسة على أحاديث نبوية”، الكنايات العامية وأصولها الفصيحة، موضحاً أنه في هذا الكتاب كان الوحيد الذي فرَّق الكنايات عن الأمثال، وهذا ما لم يحدث في الكتب الأخرى التي صدرت قبل ذلك، مبيناً أن اهتمامه جاء كونه دمشقياً شامياً ولأن دمشق مدينة هامة تمتدّ ثقافتها وحضارتها لآلاف السنين، وهي أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، مع تأكيده على أن عنايته بالشاميات تشكل رديفاً لعنايته بالتاريخ العربيّ الإسلاميّ، والعلاقة تعضد بالنسبة له بينه وبين الأندلس، وبين الشام والأندلس، وهي علاقة وثيقة جداً.
وردّاً على استغراب البعض من اهتمامه بالعامية من الكلام الدمشقيّ واتهامه بالانحياز لها، وقد بدا ذلك بالنسبة للبعض مستغرباً من قِبل رجل أكاديميّ مثله يؤكد د. الداية أنه لا يكتب شيئاً عن العامية إلا بأصله الفصيح، وأن اهتمامه بالعامية ليس انحيازاً لها وإنما رغبة منه في أن ننقل العامية إلى الفصيح من الكلام لتقريب المسافة بين الطرفين لتستطيع الأجيال القادمة أن تتحدث بلغة عربية فصيحة بسهولة، وهذا ممكن –برأيه- إذا ربّينا أطفالنا منذ رياض الأطفال على أن يكون كلامهم بالفصحى، موضحاً أن العامية كانت لغة عربية ثم دخلت عليها طوارئ، ولذلك يرى أنه إذا أصلحنا الطوارئ أرجعناها للفصحى مرة أخرى، مبيناً أن كتبه تتوجه للقارئ العام وللجيل الجديد الذي يحاول أن يقرب له الفصحى ليتحدث بها دون أن يحاول أن يعلمه العامية كما يعتقد البعض، إلى أن الفرق بين العامية والفصيح ليس شاسعاً، وبقليل من الثقافة ننتقل خطوة من العامية إلى الفصيح، مبيناً  أن العامية تنتقل إلى مرحلة أفضل مما كانت عليه في السابق كل 25 سنة.
ولأن للشام في كتاباته وتحقيقاته قصب السبق، كان للعادات والتقاليد الشامية نصيب من اهتمام د.الداية وهو اليوم بصدد إصدار معجم العادات والتقاليد الشامية، وإذا كان هذا الكتاب أحدث مؤلفاته فقد سبق أن ارتحل إلى قرائه بعيداً ليدلهم على العادات والتقاليد الشامية في الديار الأندلسية، مؤكدا أننا بحاجة إلى العودة إلى تراثنا وثقافتنا، ولكن لا انغلاق ولا إسفاف، منوهاً إلى أن مجتمعاتنا العربية مازالت تحترم عاداتها وتقاليدها التي هي بالأساس مفيدة وليست بالية ولا تعرقل لا الثقافة ولا الفكر ولا المشاعر الإنسانية.. من هنا يصر د.الداية على أنه ينبغي تدريس العادات والتقاليد لأنها تطابق أخلاقنا العربية من خلال انتقاء ما هو جيد منها، وتقريبها للناس، خاصة في عصرنا الحالي الذي أصبح بلا ضوابط، لذلك من الضروري –برأيه- أن نؤصل هذه العادات من خلال توثيقها وكتابتها، ولذلك ينتقد الأعمال الدرامية التي أصبحت تتجاوز الكثير من عاداتنا وتقاليدنا، وهو مع ترشيد ما يسميه البعض انفتاحاً وحرية بهدف عدم تقديم ما يؤذي حياتنا الاجتماعية.
ويختم د.الداية حواره مؤكداً أنه أراد من خلال كتبه أن يقول للجيل الجديد هذه حضارتكم وثقافتكم خذوا منها ما يفيدكم، مؤمناً أن إيصال ذلك للجيل الجديد مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المهتمين لأن جيلنا مسكين وضائع –برأيه- وهو يعيش صراعاً مريراً مع مستجدات ومتغيرات العصر.

أمينة عباس