أدونيس ظاهره شِعريّة وإِشكالية معاً
خضر عكاري
الشاعر السُّوري أدونيس أوّل شاعرٍ في العصر الحديث، يكتب عن التراث الفكري، والأدبي لأمتِه، راشداً إلى جوانبه المضيئةِ، والملطخةِ، حيث استلهم الأولى، وتجنَّب الثانية. كما أنه أول شاعرٍ سوريٍّ، اختار نماذج شعرية كحماسة أبي تمام، والبحتري، ومُنتخبات البارودي. وهو أوَّل من عنيَ بالحداثةِ، ودعا إليها، مُفرِداً لها مفهوماً ومصطلحاً ورؤيةً، وديوانه ” الثّابت والمتحوّلُ” دليل على ذلك.
تعبّر رؤيته عن جدل المتناقضات، الماضي والحاضر، والذّكرُ والأنثى، والأنا والآخر السماء والأرض الظاهر والباطن والولادة الجديدة للنّص، للمفرد، كما للجماعة بالصّهر والتّركيب وهو أوّل من هدّم القديم، للولادة الجديدة، والهدم عند “أدونيس” لا يعني الخراب، والدّمار والإتيان على كلّ شيء يمّت بصلة إلى التُّراث، وإنّما يعني له، أي للشَّاعر “الهضم، والتّجاوز والتَّخطي، والإضافة” حيث قال:
“من دون إضافةٍ، لا تكون ابن عصركَ، ولا شاهدهُ “!
راح يُركِّزُ على قضيّته التي شغلتهُ، وأخذت منه رَدحاً من الزّمن “التّحوّل” شغله الشّاغل والأثير لديه، لم يكن هناك تحوُّلٌ، إذا لم يكن ثمّة وعْيٍ وإرادةٍ في الصّيرورةِ من خلال السَّيرورة، والحياةُ عنده دوماً ترنو باشتياقٍ ولهفةٍ إلى هناك، أي إلى المستقبل!
أدونيس هو الّذي أدخلَ في ميدان النّص الشّعريّ “تطوّراتٍ في البُنية، ولغة الخطاب، وأسلوب الثنويّات الّلغويّة الّتي تُعدُّ أثراً من آثار جدلِ المتناقضات” واستطاع أن يُقيم علاقات بين المفردات الّتي لا تخطر على بال، وكثيراً ما وُصِفَت من قبل النُّقاد بعضهم أو من القرَّاء المدمنين على متابعته، وقراءة نتاج الشّاعر أدونيس، بأنَّهم لا يفهمون ما يكتب، ولا يستطيعون أن يسبروا أغوار ما يريده، لكنّهم رغم هذا وذاك يعتبرونه أي “أدونيس” هو رائد الحداثة في فلسفة “الشّعر” وإعطائه مسحات من الصُّوفيّة الّتي يحب، وإنّه الغموض الّذي يُفضي إلى حقيقة الإنسان في الوجود والعلاقة الأزليّة ما بين السّماء والأرض، والإنسان هو إنسان الحقِّ والخير والجمال ” لكنّه يقول: “إنّني أكتبُ لِلْخاصَّةِ” إلى جيلٍ مُثقفٍ، عليه أن يرتقي إلى مستوى النَّص، قصائدهُ في معظمها قابلةٌ للتأويل، للاجتهاد وللقراءات المتكثرة، تاركاً للمتلقي، فَكَّ وتحليل وتركيب “مَتْن القصيدة” لكنّه لا يؤمن بالتوصيل، والإبلاغ، إلّا من خلال ما يعتقد أنّه من ” فن” وفنٌ صعبٌ، والتّوصيلُ هدف التّقرير، والإبلاغ غايةُ المباشرة، كلاهما، عنه في منأى!
هذه كلها آراءٌ كاملةٌ لشبكة علاقات القصيدة الّلغويّة، والتّناصيّة، وتثبيت الدَّالِّ، وتقويم الدّلالة، وليس أخيراً أن كلّ هذه الملاحظات الّتي نستطيع مُرغمين أن نُسمّيها ” دونيسيَّة” جَعلتنا، وأجبرتنا أن نضعه في حقل الانزياح الأبعد، أو القريب مِن الأبعدِ!
khudaralakari@hotmail.com