ثقافة

العربيــــــة بفســــتانهـــا اللاتيـــني القصيــــــر

اللغة العربية هي التي أدخلت إلى الغرب طريقة التعبير العلمي، وهي من أنقى اللغات، فقد تفردت في طرق التعبير العلمي والفني”، هذا ما قاله الفرنسي لويس ماسينيون في زمن بعيد عما نحن فيه اليوم من استخدام لهذه اللغة، مع كثرة وسائل التواصل المكتوب “الشات”، والنشر على الجدران الزرقاء، وغيرها، حيث تظهر اللغة بثوب جديد كسيدة تسعينية تحاول مواكبة الموضة، فإذا بها ترتدي ثوباً قصيراً مختصراً ينفّر الناظر إليها، ومشية متعثرة، لتقع أخيراً في مستنقع الطلاسم.. حقيقة هذا ما أراده جيل اليوم لسيدة اللغات، وكانزة الحضارات، فجاؤوا على حروفها، ورموها في لجة الحداثة لترتطم بقسوة بالجدران الافتراضية  مشوهة مختزلة بلا معالم بعيدة عن عراقتها، وأصالتها، مستخدمين حروفاً لاتينية، وأرقاماً عرجاء بدلاً من الحروف العربية لتجد أمامك، وأنت تقرأ، أحرازاً، وتمائم سقط عنها المعنى، والجمال، فلا تدرك منه شيئاً، في الوقت الذي قال “رينان”، المستشرق الفرنسي في جمالية اللغة العربية: “من أغرب المُدهِشات أن تنبت تلك اللغة القومية، وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أُمَّة من الرُّحَّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها، ولم يُعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة، ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها، وانتصاراتها التي لا تُبارى، ولا نعرف شبيهاً بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج، وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة”، هنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي أوصل لغتنا العربية لكل هذا الاختزال، والإبدال؟ وهل حقاً عجز أبناء هذا الجيل عن مواءمة لغتهم الأم المعترف بها دولياً ضمن منظمة الأمم المتحدة التي خصصت يوماً للاحتفال بها 18 كانون الأول، هل عجزوا حقاً عن مواءمتها مع متطلباتهم، واحتياجاتهم المضبوطة على إيقاع حياتهم السريع؟!.
“إن الذي ملأ اللغات محاسن جعل الجمال وسره في الضاد”، هذا ما قاله الكبير أحمد شوقي عن لغتنا، ناقلة العلوم، والآداب، والحضارات، ولأن اللغة ذاكرة الشعوب، وحافظة تاريخه، علينا ألا نقع في شباك “العنكبوتية” فريسة سهلة تنال من قوميتنا، وجذورنا الممتدة لآلاف السنين، بل علينا الخوض في أسبارها، واكتشاف أسرار جمالها، وكنوزها، فهذه اللغة قادرة على مواكبة كل “الموضات”، محتفظة بجوهرها.
خضر مجر