في ندوة “الحرية والمسؤولية” د. مشوح: الوطنية عطاء والمواطنة تشاركية د. الأحمد: لا ديمقراطية مالم نحترم مبدأ المشروعية الإدارية
استضافت مكتبة الأسد الوطنية بدمشق أمس الندوة الحوارية التي أقيمت بالتعاون مع لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان ولجنة التوجيه والإرشاد في مجلس الشعب ورعتها وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح حملت عنوان “الحرية والمسؤولية” والبداية كانت مع د. مشوح التي رأت أن أهمية الندوة تكمن في دورها في توعية المواطن بمفاهيم أساسية في مقدمتها مفهوم المواطنة والفرق بين مصطلحي الوطنية والمواطنة. وأضافت مشوح: بالنسبة لي الوطنية عطاء أما المواطنة فهي تبادل بين الدولة والمواطن، أي صيغة مفاعلة وتشاركية بمفهوم الأخذ والعطاء، هذه التشاركية هي التي تسهم في بناء الوطن لأننا عندما نطلب من المواطن احترام القانون علينا أن نوعّيه بجوهر هذا القانون وما الذي يعطيه من حقوق وواجبات ليدرك أن القانون وضع لحمايته وليساهم في تحقيق الرخاء الاجتماعي والتماهي الكامل بينه وبين المجتمع وهذه مهمة الدولة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية.
بدوره قدم رئيس لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في مجلس الشعب بديع صقور تعريفاً باللجنتين المشاركتين في الندوة على اعتبارهما من اللجان المحدثة في مجلس الشعب وفق الدستور الجديد للجمهورية العربية السورية معتبراً أن لجنة الإرشاد والتوجيه تعنى بمسألة تثقيف ورعاية الإنسان والتواصل مع الوزارات المختلفة، الثقافة، السياحة التربية، وكل الوزارات التي تعنى ببناء الإنسان في هذا المجال. أما لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان فهي تعنى بمسألة الحريات كحرية الأديان والمعتقدات وحرية تشكيل الأحزاب الوطنية وتشرف أيضاً على حسن تطبيق مبادئ الحرية وحقوق الإنسان في سجوننا وأن يكون مستوى الحياة لائقاً فيها.
العلاقة بين المواطن والمسؤول
تناولت الندوة محورين أساسيين الأول مبدأ المشروعية الإدارية قدم فيه وزير العدل د. نجم الأحمد تبسيطاً لمفهوم المشروعية الإدارية كونه أساس الدولة والحكم فيها، فلا وجود لديمقراطية أو لسيادة القانون مالم يحترم مبدأ المشروعية الإدارية، وفي هذا المجال تحدث الأحمد عن توزيع سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ووقف بإيجاز على دور كل منها مؤكداً أن تجسيد فكرة سيادة القانون تقتضي أن يخضع الحكام والمحكومون للقانون. أما بالنسبة للقواعد القانونية فقد أكد الأحمد أنها ليست على درجة واحدة من حيث القوة، وإنما بتسلسل حيث ينبغي على الأدنى احترام الأعلى، ومن يصدر النص الأعلى هو في المرتبة الوظيفية الأعلى وأعلى النصوص هو المعاهدات الدولية التي التزمت بها الدول وصادقت عليها وأصبحت نافذة، وبعض الدول تقدم الدستور على المعاهدة وفي سورية نأخذ بمبدأ وحدة القانون ونعطي للمعاهدات القوة الأكبر، وأعلى نص في الدولة باستثناء ما سبق هو الدستور ويتضمن القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وكل اللوائح التنظيمية الأخرى يجب ألا تتعارض مع الدستور، ويتم التأكد من هذا من خلال ما يسمى الرقابة على دستورية القوانين، وتختلف الدول في هذا المجال فهناك رقابة سابقة وأخرى لاحقة، وفي سورية لدينا الرقابتان السابقة واللاحقة سيتم تطبيقها بعد مرور 3 سنوات على الدستور، وبعد الدستور يأتي التشريع والذي نسميه بالقانون تجاوزاً لأن القانون أوسع من ذلك، فحين نحترم مبدأ تسلسل القواعد القانونية يتحقق مبدأ المشروعية الإدارية وسيادة القانون. وختم الأحمد بالتأكيد على أن العلاقة بين المواطن والمسؤول لم تعد كما كانت سابقاً، أصبحت أكثر وعياً وتطوراً وذلك بفضل توجيهات الرئيس بشار الأسد بأهمية الحوار والنقاش حول كل القضايا. من هنا فإن أبواب أي مسؤول مفتوحة أمام أي مواطن طالما الهدف هو الصالح العام.
الوطنية أعلى درجات المواطنة
أما المحور الثاني من الندوة فحمل عنوان “الوطنية والمواطنة” وفيه تحدثت د. إنصاف حمد عن مصطلح المواطنة الذي لم يحظ بالكثير من الاهتمام بالشرح والتوضيح مع أنه من أكثر المصطلحات انتشاراً في حياتنا الثقافية والاجتماعية، وحاولت حمد أن تقدم قراءة لهذا المفهوم من حيث المبدأ والممارسة بالاعتماد على تطبيقاته القانونية والسياسية والاجتماعية ورأت أن المفهوم لا يمتلك سمات وخصائص محددة وواضحة لذا من الصعب أن نجد له تعريفاً جامعاً مانعاً وقدمت في هذا المجال عدة تعاريف منها تعريف لدائرة المعارف البريطانية وآخر لموسوعة الكتاب لتصل إلى تعريفه لغوياً كمصطلح مشتق من وطن وهو المنزل الذي نقيم فيه. وأكدت حمد أن مبدأ المواطنة يرتبط عضوياً بمفهوم الديمقراطية والدستور الديمقراطي وهو أساس لقيام الدولة الوطنية التي تقوم على أساس العيش المشترك وأن البعدين الأساسيين لمفهوم المواطنة هما المساواة والحرية وبدونهما ليس لها معنى. وتوقفت حمد هنا عند المفهومين لتؤكد أن مفهوم الحرية مرتبط بالمسؤولية التي ينظمها ويحددها القانون لأن الحرية ليست فردية بل تمارس ضمن مجتمع كما أنه لا يمكن الحديث عن مواطنة بدون مواطن وتجسيد المواطنة على أرض الواقع يتطلب وجود قانون يعامل الجميع على قدم المساواة ويوفر الشروط الاجتماعية والاقتصادية لتحقيق العدالة في توزيع السلطة والثروة. كما تحدثت حمد عن أهمية المواطنة فكراً وممارسة مؤكدة أن غيابها يؤدي إلى إحلال الهويات الفرعية كالدينية والطائفية مما يؤدي إلى تخلخل الدولة. كذلك تطرقت حمد إلى المراحل التاريخية التي مر بها مفهوم المواطنة منذ القدم في الفترات اليونانية والرومانية وصولاً إلى اليوم أما جوهر مفهوم المواطنة فهو الحقوق والواجبات وقدمت بعض التصنيفات للباحثين، وتوقفت عند الأهمية التي تكتسبها الحقوق السياسية كونها الشرط الأساسي للحصول على الحقوق الأخرى. وفي ختام مداخلتها رأت حمد أن المعنى الحقيقي للمواطنة يتجلى في الوطنية والتي تتضمن اعترافاً من الإنسان بفضل وطنه عليه وإدراكه لواجباته واستعداده للقيام بما يترتب عليه مهما كانت النتيجة ومنبع ذلك حب الأرض والوطن والشعب والفخر بالماضي والحاضر من هنا تعتبر الوطنية أعلى درجات المواطنة.
تلت الندوة بعض المداخلات من الحضور والبداية مع د. لبانة مشوح التي توجهت بسؤال لوزير العدل مفاده أنه طالما هناك توازن بين الحقوق والواجبات وأن من يخل بواجباته يعاقب فمن يقوم بواجبه على أكمل وجه ويعطي الوطن من روحه ودمه ووقته هل يكافأ. ورداً على هذا السؤال أكد وزير العدل أن مسألة التوازن بين الحقوق والواجبات ليست دقيقة جداً فمن استشهد في سبيل الوطن لا يمكن أن نكافئه مهما قدمنا لكن ما عدا ذلك عندما يؤدي المرء واجبه قد لا يكون البديل مادياً، وعندما يؤدي الموظف واجبه يتلقى أجراً، من هنا لا يمكن أن تكون هناك قاعدة قانونية لتنظيم ذلك بل تؤخذ كل حالة على حدة أما باقي المداخلات فقد ركزت على أهمية إيصال المعلومات التي عرضت ونوقشت خلال الندوة لتصبح في متناول الجميع لما للثقافة القانونية من دور في تحقيق الانسجام التام بين المواطن والدولة.
جلال نديم صالح