ثقافة

الدعم النفسي ورحلة اكتشاف الذات

قال (روللي): كان (فرنسيس بيكون) يضيء مشعله من كل شمعة. ونحن الآن ما أحوجنا إلى أن نغذي مشاعل ثقافتنا من كل فروعها وأهمها ما يتعلَّق بعلم النفس، لأننا نعيش حالات نفسيَّة صعبة ولدتها الأزمة التي تمرُّ بها البلاد، هذا ما يدفعنا إلى ضرورة متابعة الحركة الثقافيَّة الموجَّهة في هذا المجال بشكل خاص.
ضمن جلسة استماع أقيمت في النقطة الثقافيَّة في (محارب الأحمد) شارك فيها الباحث (بسام شعبان) كانت ذات بعد تثقيفي من الناحية النفسيَّة، وبأسلوب  جاد وجريء أجراها مع عدد لا بأس به من الشريحة الأهم في المجتمع وهي شريحة الشباب، في جلسة بعنوان “رحلة في اكتشاف الذات وكيفية التصالح معها”. وقد افتتحت الحوار الشاعرة عفاف الخليل مديرة النقطة الثقافيَّة في محارب الأحمد مع الباحث شعبان وذلك ضمن خطة وزارة الثقافة في إقامة جلسات استماع حواريَّة غايتها فتح المجال لتوسيع دوائر النشاط الثقافي للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير، وخاصة فيما يتعلَّق بالأوضاع النفسيَّة التي وصل إليها المجتمع نتيجة الأزمة الحاليَّة.
بداية بيَّن شعبان مدى القلق الذي يتشكَّل لدى الشخص لمجرَّد طرح فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي، حتى أن الكثيرين يرفضون الفكرة تماماً، ويخافون حتى من طرحها، علماً أن النفس تصاب بالمرض مثلها مثل أي عضو في الجسم. فهل أنت تخاف من الذهاب إلى الطبيب النفسي؟ وهل لديك الجرأة في أن تقول: أنا مريض نفسيَّاً، مثلما تقول مثلاً: أنا مريض بالقلب؟ إن من يذهب للعلاج النفسي في عرف المجتمع هو مجنون معقَّد نفسيَّاً ذو طباع سلبيَّة، ومن هنا يمكن أن نقول: ليس بالضرورة من يمتلك نفساً قلقة يمكن أن يكون سلبيَّاً، ومن يمتلك نفساً مستقرَّة يمكن أن يكون إيجابيَّاً.
وطرح المحاضر تشبيهاً هاماً لتصرفات الإنسان، فسيِّدة المنزل التي تعتني بشكل خاص بغرفة (الصالون)، وما تبقَّى من أجنحة المنزل قد تكون مهملة على الأغلب، هذا ما يشبه تصرفات الإنسان الواضحة أمام الآخرين أما ما تبقَّى فيرميها في الغرفة المظلمة التي هي غرفة اللاوعي. فكل تصرُّف يعني بناء جزء من ذات الإنسان، ويوماً بعد يوم أعود إلى غرفتي السوداء، وقد كبرت، فتسقط غرفة (الصالون) ضمن الصراع، عندها تظهر الغرف الداخليَّة المهملة، وهنا يبدأ الصراع النفسي الحقيقي.
كما أكَّد المحاضر على أهميَّة التصرف بشكل صحيح أمام الطفل بقوله: لا أقوم بأي حركة أو عمل سلبي أمام الطفل، فهو لا يحتمل الجدل، وكلنا عانينا في مرحلة ما من هذه الطريقة في السلوك، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من مشاكل نفسيَّة، فعندما تهدد ابنك بالعقاب القاسي إن فعل كذا، فستفعل به كذا، هنا يمتنع عن فعل الخطأ نتيجة الخوف، وليس نتيجة الأخلاق.
أيضاً موضوع الصراحة والتصالح مع الذات، كان له جانباً مهمَّاً من البحث، فمن الضروري أن يلقي الإنسان نظرة يوميَّة على ما قام به من أعمال بينه وبين نفسه، عند ذلك يجب اتخاذ قرار حاسم بعدم تكرار الخطأ الأكثر إزعاجاً، وتجنبه في اليوم التالي.
وقد بيَّن الأستاذ (شعبان) أهم بنود الطريق لاكتشاف الذات منها: “القراءة والاضطلاع، تنمية المواهب، تقدير النفس، التفكير قبل العمل، التركيز على الجوانب الإيجابيَّة للشخصيَّة”، كما أن تفعيل العقل يزيل الغضب، ويسهِّل عمليَّة السيطرة على التوتر، وبذلك نمهِّد للقيام بتصرفات إيجابيَّة متوازنة.
ختاماً، كانت الجلسة مهمَّة حقَّاً، وبوسعنا الاعتراف بضعف الثقافة النفسيَّة عند الكثيرين، وهذا ما يدفعنا للمطالبة الدائمة بإقامة جلسات، ومحاضرات تهتم بالشؤون النفسيَّة بشكل فعَّال، وهنا يكمن دور المراكز الثقافيَّة في متابعة هذه المواضيع المهمَّة.

سريعة سليم حديد