“رحلة الشعر والإبداع”.. حامد حسن في ذكرى رحيله الخامسة عشرة
إن اعتزاز الأمة بمبدعيها من قامات الثقافة والأدب والعلوم، ليس فعلاً ثقافياً وحسب، بل هو فعل حضاري واجتماعي وإنساني، ولأننا أمة تؤمن بأهمية تكريس الرموز في كل الميادين وإلقاء الضوء على منجزاتهم لتعريف الأجيال بهم، أحيا مكتب الإعداد والثقافة والإعلام لفرع حزب البعث العربي الاشتراكي بطرطوس الذكرى السنوية الخامسة عشرة لرحيل الشاعر حامد حسن في ثقافي طرطوس تحت عنوان (حامد حسن رحلة الشعر والإبداع) شارك فيها عدد من أدباء طرطوس ممن واكبوا نتاج الشاعر حسن. وقد تحدثت السيدة الهام سليمان مديرة الثقافة في تقديم الحفل عن حياة الشاعر الذي ولد مع الفقر والقهر والحرمان، زمن الويلات والحروب وتخريب الحضارة في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، وحفظ في سن مبكرة القرآن الكريم وأكثر خطب الإمام علي وقصائد الشعراء العمالقة ليبرز في صباه شاعراً ملهماً، وأديباً متميزاً امتلك ناصية البيان وترف الشاعرية والمنبر الحق، فصنع حامد حسن عالماً ثقافياً متمايزاً لقصائده في مختلف ألوان الإبداع والأبحاث الإنسانية، وتفرّد في كل لمحة وإشارة وخطوة ورأي في حياته الإبداعية، وعشق شاعرنا الوطن حد العبادة واكتنز حبه حتى اليقين.
بدوره تحدث الأديب يونس إبراهيم أحد المشاركين في الحفل فقال: قصيدة حامد حسن هي بناء متكاملاً، مخلوقاً بأحسن صورة، ومن هنا كانت اللغة عنده تحمل رقة الورد ولألأة الصباح وإشراقة ابتسام ثغر الأحبة، وقد تكوّنت عنده هذه الخصائص من منبعين: الإلهام، وثقافة عميقة واسعة ودراسة نادرة، لذا كان يؤثر البريق اللفظي مع الاحتفاظ بالمضمون، والأناقة التصويرية، والشاعر إلى جانب تفرده باختيار وانتقاء اللفظة الشفيفة الناعمة امتاز بخاصية التجسيد والتجسيم وخاصية القلب في المعنى، أي قلب دلالات الألفاظ من حالة الإيجاب إلى حالة السلب وبالعكس، فاللغة عنده منتقاة موظفة ذات دلالات لفظية ويتجلّى هذا الوصف بأحسن ما يكون في قصيدته (امرؤ القيس والعذارى).
في حين تحدث الشاعر محي الدين محمد عن الأنا الثقافية المغروسة في الأذهان حول شخصية الشاعر حامد حسن في بعدها الذاتي والوطني والإنساني، لقد كان أباً لذاته في حصانة الإبداع الشعري من ثم تحوّلت قصائده إلى مسمّى آخر يحمل مضامينه المتفردة في دلالاتها النسقية لكل من يقرأ أو يطلع على مجازاته ويقف على مدوناته. ويمكن القول إنه واحد من الذين غنوا للحياة باندفاع فني كان مرجعه الأول فيها الطبيعة الريفية التي جسدته بريشة مستشار أول لصوره الزاخرة بالألوان، فشاعرنا يمتلك مخيلة موارة بفهم فني تحدده عوامل جمالية وثقافية وهو يرى أن فكرة الصراع الكوني لا يمكن أن تنتهي طالما أن ذلك الصراع يقوم بين جسرين متناقضين هما الخير والشر، فالخير سوف يستمر كضوء تحتاج إليه البشرية في مقاومة الظلم، كما ترفّع الشاعر في حياته عن العلاقات المادية السائدة في عصره، فهذه العلاقة من وجهة نظره تمثل الاستسلام الهادئ للعدم كونها وسيلة وليست غاية.
وفي تعريف الشاعر حامد حسن قال الباحث يوسف مصطفى: هو أحد شعراء القصيدة العمودية (الكلاسيكية الحديثة) من مدرسة بدوي الجبل ونديم محمد وعمر أبو ريشة ونزار قباني في شعره العمودي، وقد امتازت هذه المدرسة بأنها طوّرت مجمل بنية القصيدة العمودية على صيغة المفردات، التركيب، الجملة العادية، الجملة الشعرية، وعلى صيغة المطالع والانتقالات والوميض الفلسفي والوصف والصورة، فـ”حامد حسن” شاعر الغزل والوصف والرثاء وشاعر الأغنية الشعبية والموشح وهو ليس شاعراً فقط ، بل هو أيضاً أديب وباحث، ودراسته عن المكزون السنجاري والشيخ صالح العلي تنمّ عن قدرته البحثية، وقد برزت في قصائده براعة الاستهلال في القصيدة وإيقاع المكان، ونمط استحضار البطل.
طرطوس– رشا سليمان