محليات

بين قوسين غرغرينا الفساد!

يستحيل على مواطننا المصلوب على أحداث المحنة أن ينسى أو يتجاوز كوابيس الأعباء اليومية بلدغاتها القاتلة ومنغصات إرهابها المشؤوم، ولاشك في أن النبش في أوراق حياة السوريين الخاضعة لمؤامرة الإرهاب  ولسلطة الاتجار بقوت يومهم، يوصلنا إلى حقيقة ذلك السيناريو الوحيد الذي يطبق بشكل كامل على حياة الناس، حيث الإجهاز على كل قرشٍ يساهم في بقاء جيوبهم صامدة أمام نوبات الغلاء المجنونة التي باتت العنوان العريض للأسواق بأسعارها الخاطفة للحظات انفراجهم والقابضة على ومضات تفاؤلهم  وآمالهم الضائعة في أدغال المحنة.
الغريب أن تتشارك شهوة التّجار غير المحدودة مع تلك القرارات المنكّهة بطعم الرقابة في قضم الكعكة المعيشية، وابتلاع ليرات الناس المتساقطة لا في جيوب تجار الأزمات فقط بل في غياهب الإجراءات الإنقاذية الإسعافية التي تبنتها الجهات المختصة فتقرحت حلولها بالفشل وأصيبت أذرعها الرقابية بغرغرينا الفساد وعامت سياستها النقدية في بحر التضخم وتفتقت أدمغة مفكريها ببدع الإنجاز وهرطقة الإمساك بزمام الأمور وقهر التحديات العاكسة لعجزها المتواصل في إحباط محاولات من يستهدف لقمة عيش المواطن بكفافها ودسمها المفقود.
نقرّ جميعاً بكامل ضعفنا المعيشي أن أفكارنا مهووسة بالخلاص، وأن مواقفنا باتت طائشة وطلباتنا أصبحت انشطارية.. ونعترف أيضاً في زحمة همومنا بمراهقة أحلامنا التي تداعبها الوعود ممن يجرونها في كل لحظة إلى مخدع الحقيقة ليزرعوا في أحشائها مواليد وعودهم النافقة في البيوت والشوارع والأسواق التي تعيش وهم الانتعاش وسراب الرقابة والضبط والتوقيع دائماً لفزاعة الدولار.. ولكن هذا الاعتراف يبقى ناقصاً إذا لم نكمله بمسج صغير أو حتى بتغريدة مختصرة إلى حكومة الغد بكل أعضائها سواء الجديد منهم أو من سيحظى بفرصة أخرى في مهمته: لا تحبطونا ولا تتقمصوا شخصية “دونكيشوتنا” المفقود الذي عاش وهم الفروسية وحارب طواحين الهواء وبارز السراب بنوبات الإغماء.. ولا تدكوا حياتنا بالوعود ولا تحولوا آمالنا إلى دريئة لتلقي ضربات تصريحاتكم المقنعة ببطالة مستشاريكم والموؤودة في غياهب الحلول والمعالجات، ولا تديروا دفة القرارات وشؤون الحياة من خلف المكاتب الفاخرة؟.
ومن الآخر نقول: صمودنا (كشعب) سيبقى خارج الحسابات والرهانات في جبهة المواجهة مع الأعداء، ولكن ذلك لن يشرعن لأحد الاستمرار بسياسة عصا الأزمة وجزرتها الظرفية أو الاستكانة للواقع الذي ينضح بالمتناقضات بحضور قرار قاصر وفساد متفشٍ ومصلحة عامة مطعونة بضعف الأداء وغياب المساءلة والمحاسبة، وكل ما نريده “بضعة ضمير”!

بشير فرزان