“الشاشة ..المرآة” للناقد السينمائي “إبراهيم العريس” بحوث قيمة في طبيعة العلاقة بين السينما العربية ومجتمعها
قدم الناقد السينمائي المخضرم “إبراهيم العريس” لكتابه “الشاشة…المرآة”، باستهلالية تدليلية عِوض المقدمة الكلاسيكية عرفها بأنها “بدلا للمقدمة”، يخبر من خلالها عن ماهية هذا الكتاب وطبيعته المتباينة الطرح من جهة المواضيع والمقامات، مبينا أن هذا الكتاب ليس بما يطرحه ويقدمه تأريخ للسينما العربية كما أنه أي الكتاب لا يتضمن نقدا تحليليا لبعض أفلام هذه السينما،إذ أن كتاب “الشاشة .. المرآة” الصادر عن وزارة الثقافة السورية- المؤسسة العامة للسينما، وإن كان يخوض في دراساته النقدية السينمائية بعوالم الفن السابع العربي بشكل عام، إلا أنه في حقيقة الأمر مجموعة من الدراسات السينمائية التي كتبها “العريس” في فترات زمنية متفرقة لمجموعة مختلفة من المواضيع التي تُعنى بالسينما العربية حينا وبالسينما العالمية أحيانا أخرى، ورغم أن تلك الموضوعات التي يتناولها صاحب “الحلم المعتق” ليست مترابطة السياق أو الاهتمامات، كما تبدي قراءتها للمرة الأولى، باعتبارها نصوصاً كُتبت على فترات زمنية متفرقة، متناولة إبعادا مختلفة من أمور السينما، إلا أن قراءة شاملة للمقالات التي ضمها هذا الكتاب ستبين للقارئ الصبور والمهتم، انه بمواجهة متن واحد، هذا المتن محمول على دروب مختلفة ومتنوعة، ثيمته الأكثر تجليا هي العلاقة بين السينما – السينمات العربية، والزمن والمجتمع اللذين تتحرك بينهما تلك العلاقة، التي تنطلق في بنيان تفاصيلها من نظريات نقدية، ودراسات مطولة ترصد تطور هذه العلاقة على ضوء اللحظة التاريخية التي تجلت فيها.
إشكاليات كتابة تاريخ السينما العربية.
بيقين مطلق، يؤكد مؤلف “مارتن سكورسيزي: سيرة سينمائي” بأن تاريخ السينما العربية لم يكتب بعد، رغم الدراسات والكتب العديدة التي وضعت لهذا الغرض، أما مرد هذا اليقين عند “العريس” فهو :وجود مجموعة كبيرة من الإشكاليات النابعة من الطبيعة المركبة للسينما، التي لم تحل بعد، لذا فالأجدى هو البدء بفهم وتحليل هذه الطبيعة المركبة للسينما، باعتبارها أي السينما: فن وصناعة، فن ومجتمع، صناعة وأيديولوجية، محلية وشمّالة، حميمة والمواضيع واجتماعيتها، إبداع فردي وجماعي في آن، وذلك لمناقشة كل تلك الالتباسات.
اشتغل “العريس” في هذه الدراسة على طرح بعض الأسئلة والاقتراحات التي تشكل وجهة نظره في مناقشة كل تلك الالتباسات وتحاول فهمها بصيغ مختلفة وفريدة، آملا أن تصبح رؤاه خطوة متواضعة على طريق هذا العمل الكبير.
جماليات تلقي الفيلم الجماهيري.
ويرى صاحب “الصورة الملتبسة”، أن الوقت قد حان لتوجيه اهتمام الدارسين في “اتجاه السينما العربية”، كالسينما الجماهيرية المصرية، وأفلامها الناجحة ونجومها، بالإضافة إلى دراسة كافة العناصر التي تتشكل منها هذه السينما التي سيطرت على الذهنية العربية من المحيط إلى الخليج، لأن هذا الاتجاه في السينما العربية بما شكله من وعي لدى المتفرج العربي، بقي بعيدا عن الدراسات التحليلية الجادة، التي كان من واجبها أن تضع نصب أعينها الأسباب التي تقف وراء استمرارية هذه السينما ونجاحها المتكرر.
وهذا ما تسعى إليه هذه الدراسة، والتي هي عبارة عن مشروع كبير، يهدف “العريس” من خلاله إلى دراسة سوسيولوجيا تلقي الفيلم الجماهيري من قبل المتلقي العربي.
الأنا تبحث عن هويتها
لن يكون الشخص الذي شاهد فيلما سينمائيا هو ذات الشخص بعد أن يشاهده، كما أن الوقت الذي عبره الفيلم ليتغير من حالة جماد يتتالى على الشاشة، إلى فاعلية تتتالى في عيني المتفرج ومن عينيه إلى ذهنه ومن ذهنه إلى القادم من أيامه، لن يمر دون أن يترك أثرا حاسما على حياة المتفرج.
(يمكننا أن نقول أن السينما هي “الشيء” الذي حقق اكبر قدر من الفاعلية في مجال الاشتغال على الذهنيات وتغييرها في القرن العشرين، والذي نستطيع تسميته بجدارة بـ “قرن السينما”، وذلك طبعا بعد استثناء الأغنية والتلفزة)، يقول صاحب “سينما الإنسان”، معتبرا أن السينما مهما كان جوهر رسالتها، فإنها فن تغييري.. لأنها تُكسب متفرجيها “وعيا ما”.
– السينما العربية الجديدة.. مآزقها وحظوظها.
رغم تواجد الفيلم العربي في معظم المهرجانات العالمية التي تنُظم لعالم الفن السابع، إلا أنه من النادر أن تجد سينمائيا عربيا إلا ويشكو من الأزمة التي تمر بها السينما العربية، السينما العربية مأزومة ورغم ذلك هي موجودة بقوة في المحافل السينمائية الدولية، تناقض غرائبي نحن بحاجة إلى فهم منشأه ولمناقشة ما يطرحه من رأي يكاد يشي بأن السينما العربية.. ماتت، يذهب “إبراهيم العريس” لمذهب يقول بأن من صفات السينما العربية الطليعية أنهه لا يمكن لها أن تنبع إلا من حال تأزمها، ولا يمكنها أن تطلع إلا من رمادها. فالسينما العربية السائدة اشتغلت بغية ترسيخ القيم السائدة وهي تعيش حذرا كليا منعها من ابتكار تعابير جمالية جديدة، كان من المفروض بها أن تثير وعيا جماليا لدى المتفرج قد يؤدي بدوره إلى وعي اجتماعي وسياسي. و(لا أتفق مع الأستاذ “العريس” على هذا الطرح، إذ أن الكثير من الأفلام العربية، جنحت نحو تكريس مفاهيم متباينة وغير واضحة الملامح إلا من ملمح الاستسهال والتقليد الأعمى التام لمواضيع وثيمات، اجترتها السينما العالمية– الأمريكية منها بشكل خاص مرات كثيرة).
يخوض كتاب “الشاشة.. المرآة” في العديد من الدراسات القيمة التي تناولها الناقد السينمائي “إبراهيم العريس” بملاحظته المميزة لدقائق الأمور، التي شكلت مكونات المشهد السينمائي العربي، ساعيا إلى تقديمها للقارئ بلغة بسيطة وواضحة لا تسعى للإبهار ولا يعنيها، بعكس الكثير من المقالات النقدية السينمائية، التي يتحفنا أصحابها بمعلقات من المصطلحات غير الضرورية لا للتوضيح ولا للتقريب، بل تعمل عكس ذلك تماما، عند قارئ لا يزال يعتبر السينما وما تقدمه نوعا من الترف الفكري، حتى لو لم يعِ خطورة الجرعة التي حقنته بها، الآن.. سابقا.. لاحقا.
تمام علي بركات