ثقافة

“دُرّة” والقبض على جمرة المعنى

عشرة قصص مختلفة الأطوال، تحتوي عليها مجموعة “دُرة”… للقاص مالك صقور. وابتداء من لحظة الاشتباك الأولى مع هذه القصص التي نتبين هويته السورية بوضوح تام في قصة “ الأرض”، وندرك حدود الهاجس في فضاءات يتجاور فيها الضوء مع العتمة، داخل أفلاك يتصارع فيها الفكر السوري مع خصومه الذين تتنوع أشكالهم وأيدلوجياتهم دفاعا عن أرضه ووجوده معا. وهذا يعني قيام الكاتب بوضع شخصيات هذه القصص في المعترك الذي سوف يؤهلها فيه لحمل رايات التغيير الذي من أبرز خصائصه القبض على ما يمكن اعتبارها جمرة المعنى ..
هذه الصورة لهذه اللعبة للمصائر وللأقدار وللمتاهات في حبكة قصص صقور، تلك الّتي تجعل القارئ يتوهّم أنّ حقيقة الشّخصيّات هي ما تبدو عليه وقد وجدناه في قصة “وما زال البلبل يبكي” يقيم حواراً بين غرابٍ وبلبل، ويظهر  الجواب في قوله: “وعندما سُئل البلبل، لماذا تبكي أيها البلبل، والتغريد مهنتك؟ يجيب بحرقة وحسرة:- لأن  الضبع هو القاضي”.ص- 92 ..
حيث يتّضح للمتلقي لاحقًا أنّ  الشخصيات حقيقتها مغايرة لما تظهر عليه أو تصرّح به، أو أنّ مصائرها الّتي تبدو على السّطح ليست هي المصائر ذاتها التي في العمق، عبر الإيهام بالواقع والجنوح إلى نوع من الفانتازيا، لا يروم خرق الواقع بالفهم السّائد الّذي يقول: إنّ الخيال مفارق للواقع، إذ تبدو فانتازيا “دُرّة” منتصرة للفكرة الفلسفيّة الّتي لا تفصل الخيال عن واقعه وتذوب الثّنائيّات، أو كما يقول أرنستو ساباتو: “الخيال هو الواقع نفسه”.
وبمعنى آخر “دُرّة”  صورة العصا السحرية الموجودة في عدسة الأديب مالك صقور والتي تحيل إلى توءمة التناقضات الانفعالية في الإنسان، لأنها تتميز باستقلالية بنيوية وتتشكل من عناصر منتقاة ومعالجة وفق المطلبين الجمالي والإيديولوجي اللذين يعطيانها بعدا تضامنيا كما يرى (رولان بارت)، ونستطيع أن نرى ذلك في هذا المقطع الأخير من قصته التي تحمل عنوان: “شعراء  كثيرون وشاعر وحيد” وأعلن: “لن أعدم الشاعر الوحيد في مملكتي” ص-109 .
وهكذا أيقنت في نهاية المطاف أن أديبنا لم يختر لـ (دُرّة) إلا أن تكون مشروع إنسان جاد متوازن ملتزم بقضايا أمته معتز بتراثها، يطمح إلى أن يكون من أحد حرّاس دُررها، ولذلك: قراءة /دُرّة /الصورة/المعنى  تتعدد بتعدد القرّاء، ولكن اختلاف القراءات لا يعني إن صورة “دُرّة” تبقى مفتوحة المعاني إلى ما لا نهاية، لأن تلك القراءات تبقى مرتبطة بالمعارف المستثمرة في الصورة كما يحددها (بارت).
أحلام غانم