مكافحة الإرهاب تهيمن على اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة موسـكــو: للـتقيـّد الـصـارم بميـثـاق الأمـم الـمتـحدة ومراعاة سيادة الدول طهران: داعمو إرهابيي "داعش" يريدون محو ممارساتهم من ذاكرة العـالم
تهيمن على أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية مسائل عديدة، تأتي في مقدمتها مكافحة الإرهاب المستشري في العالم، وتتباين الآراء حول هذا الموضوع بين القوى الكبرى، وإن كان الأبرز الموقفين الروسي والأمريكي، فالأول يسعى للتأكيد على احترام القانون الدولي وما يصدر من قرارات عن الأمم المتحدة ومؤسساتها، في حين يسعى الجانب الأمريكي إلى تمرير مخططاته بغطاء أممي.
وبعد أكثر من ثلاثة أعوام ونيف من تقديم مختلف أنواع الدعم والتسهيلات لتجنيد إرهابيين من مختلف أصقاع العالم وإرسالهم للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية المسلحة في سورية بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون حملة، يقودها الرئيس الأميركي باراك أوباما ذاته، لمواجهة ظاهرة “المقاتلين الأجانب”، الذين باتوا يشكلون خطراً يهدد مصالحهم ودولهم، وسيترأس أوباما، وفي حدث نادر، اجتماعاً خاصاً لمجلس الأمن الدولي يهدف إلى إصدار قرار ملزم لوقف تدفق “المقاتلين الإرهابيين الأجانب”، كما يصفهم نصّ القرار الأميركي، على أن يشكل التصدي لهؤلاء الإرهابيين أحد أوجه ما يُسمى “الكفاح الشامل الأمني والإنساني والاحترازي والعقائدي” ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، كما حددته واشنطن وحلفاؤها.
وتأتي الحملة الجديدة لمواجهة ظاهرة الإرهابيين الأجانب، بعد شن الولايات المتحدة وشركاء لها ضربات جوية لاستهداف تنظيمات إرهابية في سورية، في اعتراف متأخر بالإرهاب الوافد الذي تواجهه سورية في السنوات المنصرمة.
يأتي ذلك فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الولايات المتحدة أقدمت على مكافحة الإرهاب وفق معايير مزدوجة، ولم تصغ لروسيا، داعياً الشركاء الأمريكيين لمحاربة الإرهابيين بشكل مستمر، وفي كل مكان، وليس انطلاقاً من المعايير المزدوجة بتصنيفهم إلى “جيدين وسيئين”، وقال قبيل لقائه نظيره الأمريكي جون كيري في نيويورك: “إذا كان لنا نية محاربة الإرهاب، فينبغي محاربة الإرهابيين في كل مكان وزمان، ولا يجب تصنيفهم إلى إرهابيين جيدين، لأنهم يساعدون في تغيير زعيم لا يروق لهم شخصياً، وهو على الأقل منتخب من قبل الشعب وشرعي، ويقود بلداً عضواً في منظمة الأمم المتحدة، وغض الطرف عنهم”، وأضاف: “إن الإرهابيين السيئين وفق هذا المنطق هم من يقومون بقتل المواطنين الأمريكيين فقط”.
وتساءل لافروف: “لماذا لم ير الأمريكيون التهديدات الإرهابية سابقاً؟” وقال: “إنهم اتبعوا نهجاً بهذا الصدد تجاه مهمة محاربة الإرهاب وفق معايير مزدوجة ولم يستمعوا إلينا عندما دعوناهم لتوحيد الجهود ولدعم الحكومة السورية والمعارضة الوطنية المعتدلة جنباً إلى جنب لتشكيل جبهة موحدة ضد الإرهاب”، وأشار لافروف إلى أن روسيا تقدم منذ أمد بعيد للعراق وسورية وعدد من الدول الأخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنواعاً مختلفة من الأسلحة العصرية المتطورة والتي تسمح لهذه الدول بمحاربة الإرهاب بشكل فعال.
ولفت لافروف بهذا الصدد إلى مخططات الولايات المتحدة في تشكيل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وقال: “إننا لا نشعر بأي خجل في هذا المجال”، وأكد أنه إذا كانت الدول الأخرى، وخاصة الغربية منها، المالكة لقدرات مناسبة مستعدة لمساعدة الحكومة الشرعية في العراق فإنه لن يسعنا إلّا أن نرحّب بذلك”، وأضاف: أما إذا كانوا يريدون محاربة الإرهاب على أراضي دول أخرى وبشكل خاص في سورية، فيجب عليهم بالطبع الحصول على موافقة الدولة المعنية في هذه الحال، مشيراً إلى أن الحكومة السورية أعلنت مراراً بأنها ستكون مستعدة للتعاون مع أي جهد دولي في تنفيذ مهمات اجتثاث الإرهاب من أراضيها.
في السياق ذاته أكد غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي أن مكافحة الإرهاب في المنطقة ينبغي أن تتمّ وفق تقيّد صارم بميثاق الأمم المتحدة ومراعاة سيادة الدول ووحدة أراضيها، ولفت في تصريحات على هامش الاجتماع الأممي إلى أن التحديات الإنسانية في سورية تفاقمت جراء جرائم التنظيمات الإرهابية فيها، وشدد على أهمية العمل الجماعي المكثف الهادف لاجتثاث الأسباب الرئيسية لزعزعة الاستقرار في سورية والدول المجاورة.
كما أكد الكسندر زمييفسكي مفوض الرئيس الروسي للتعاون الدولي في مكافحة الإرهاب والجريمة الدولية أن تطوّر الأخطار الإرهابية يؤكد مرة أخرى ضرورة التعاون الدولي لمواجهتها على أساس احترام القانون الدولي وسيادة الدول وفي إطار الدور المركزي للأمم المتحدة، وقال في بيان نشرته وزارة الخارجية الروسية على موقعها الالكتروني: لا يجوز استخدام مكافحة الإرهاب لتحقيق أهداف جيوسياسية لا تمت بصلة إلى مهمة التصدي للخطر الإرهابي، محذّراً من أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى زيادة التوتر وزعزعة الوضع أكثر، وأضاف: إن الإرهاب الدولي يتعزّز إيديولوجياً ومالياً، وبفضل تجنيد مسلحين جدد، وأن قدرات التنظيمات المتطرفة تتزايد بسبب التعاون مع الجريمة الدولية المنظمة وتجارة النفط بشكل غير شرعي، مشيراً إلى أن تنامي نشاط الإرهابيين يأتي على خلفية تدهور مؤسسات الدولة، وذلك بسبب تدخلات خارجية، وأحياناً بدعم من مختلف المانحين من الخارج.
من جانبه، انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني الازدواجية الغربية في مكافحة الإرهاب، والتزام بعض الدول بالصمت إزاء قتل الأبرياء في المنطقة عندما ترى أن الأعمال الإرهابية تتماشى مع مصالحها، بينما تقوم بمواجهة تلك الأعمال عندما تتعارض مع مصالحها، معتبراً أن القوى الكبرى لم يعد بمقدورها طمس الحقائق عن الشعوب، وقال خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في نيويورك: إن الأزمة التي تمر بها سورية والعراق تعود إلى أكثر من ثلاث سنوات، مشيراً إلى أنه لو تمّ تجفيف منابع الجرائم والممارسات الإرهابية منذ تلك المرحلة لما ارتكبت هذه الجرائم والمجازر.
وأبدى كي مون أسفه إزاء انعدام الثقة على مستوى الأفراد بقدرات المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، داعياً إلى مشاركة إيرانية فاعلة واستراتيجية في هذا المجال.
وفي سياق متصل أكد قائد القوة الجوفضائية التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني العميد أمير علي حاجي زادة أن الذين دعموا تنظيم “داعش” الإرهابي مالياً وتسليحياً يريدون محو ممارساتهم من ذاكرة العالم، مشيراً إلى أن شعوب العالم باتت تعي هذه المسألة جيداً، ووصف ممارسات أميركا في المنطقة ومزاعم محاربتها لتنظيم “داعش” الإرهابي بأنها لعبة ومسرحية، مشيراً إلى أن أميركا توجه ضرباتها للقوات العراقية بدلاً من قصف مواقع التنظيم الإرهابي.