ثقافة

“برنارد شو”.. العالم مسرح كبير

برنارد شو روائي و كاتب مسرحي، فقد ذاعت شهرته في العقد الأول من القرن العشرين في أرجاء أمريكا ووسط أوروبا، حيث أن أي مسرحية جديدة لـه كانت تشكل حدثاً عالمياً. وكانت الصحف تتناقل آراءه أسبوعياً تقريباً والتساؤل المطروح هو: هل كان أي كاتب آخر على هذا القدر من الشهرة؟ وهل كُتب عن أي كاتب آخر في سنوات حياته نصف ما كتب عنه؟ (منذ عام 1905 تقريباً وعدد كبير من المقالات يظهر كل عام. حوالي أربعين كتاباً كاملاً كتب عنه).
صحيح أن أيا من كتبه لم يبلغ في المبيع مبلغ (ذهب مع الريح) ولم تدم أي من مسرحياته كما دامت (طريق التبغ)، لكن حتى في المعيار الاقتصادي كان عمل شو على مدى سنوات حياته أضمن من عمل أي كاتب شعبي إذ ما انفكت كتبه تباع ومسرحياته تعاد ثانية وثالثة.

كآبة الحضارة الحديثة
كان شو أحد أنجح الكتاب الذين ظهروا، وهنا يحضر السؤال لماذا كان يبدو شيخاً مكتئباً؟ هل لأنه كان يأسى للرحيل عن عالم زانه بكل بهاء؟
إن ما يلفت النظر في شو هو نأيه النسبي عن جميع هذه المنافع الدنيوية تحدث عنها كافة كما لو أنها كانت تنتمي إلى شخص آخر اتفق أن كان اسمه جورج برنارد شو، فلو كان أصبح حقاً شيخاً كئيبا لما كانت نفسه هي وحدها مخيبة للآمال، لأن كآبته لم تكن كآبة العصامي الذي وجد أن النجاح لا يؤتي رضا إنما نحن الذين خاب أمله فينا، إنها الحضارة الحديثة التي اغتم لأجلها، لكن أليس شو واحداً منا؟ أليس جزءاً متمماً في الحضارة الحديثة؟ ليُجيب المرء: آراؤه تتميز حقاً بحداثتها، هي نوع من توليفة لكل رومانسيتنا وواقعيتنا، ومع ذلك فهو ليس واحداً منا، إنه في موقع ناء عن معاصرة أكثر من أي مفكر منذ نيتشه.
عَبَرَ شو المجتمع البريطاني من البوابة البوهيمية. لم يحاول أبداً أن يكون عضواً راسخاً في الطبقة العليا، المتوسطة، أو الدنيا، فقد بقي دون تمثل، كانت دائرة معارفه الأولى تشتمل بشكل رئيسي على موسيقيين ودائرته اللاحقة على كتاب وممثلين.
منذ عام 1882 وما بعد، كان شو اشتراكياً خطب في الجماهير، واشتغل في اللجان وترشح لعضوية مجلس مقاطعة لندن، لكن كم كان في كل هذا العمل بمنأى عن الاختلاط بالطبقة العاملة والمتوسطة أو أية طبقة خلاف طبقة المثقفين.

“اللامنتمي التام”
يكتب شو في مقدمة “عدم نضوج”، هذه المقالة الطويلة التي هي أقرب كتاباته لأن تكون ترجمة ذاتية بقلمه، داعياً نفسه “بالضيف على هذا الكوكب وليس من سكانه الأصليين”. سواء كان أني ولدت معتوهاً أو عاقلاً أكثر من اللزوم فإن مملكتي ليست من هذا العالم، لم أشعر بالراحة إلا في مملكة خيالي، وبالاطمئنان إلا مع الموتى العظام، لذلك كان عليً أن أصير ممثلاً، وأبتكر لنفسي شخصية خيالية ملائمة وقادرة على التعامل مع الناس. يقول: عندما كان عليً أن أخرج من مملكة الخيال إلى مملكة الواقع كنت لا أزال متضايقاً، كنت خارج المجتمع، خارج السياسة، خارج الرياضة، خارج الكنيسة، لو اخترعت التسمية آنذاك لكنت دعيت باللامنتمي التام.

المسرح كملتقى سياسي
وطالما أن لا مكان لشو في المجتمع البورجوازي، إذ كان يعاف الدخول إلى ما سمي بالغيتو الخاص به، فقد كان المكان المناسب له المسرح، والمسرحية مناسبة عامة كاللقاء السياسي، هي احتفال كالقداس الكنسي، أداء كالحفلة الموسيقية، المسرح عالم سحري داخل عالم، أكثر تلاؤماً مع مقصد شو ومزاجه من أي غيره. من البداية إلى النهاية ودراما شو تعبر عن طبيعته، حيث حلم بعالم أفضل، نفاد صبره مع أحلام بعالم أفضل، مثاليته ومعاداته للمثالية، معرفته بعالم الإنكليز وغربته عن هذا العالم.
كل هذه متضمنة في الصفحات الأخيرة لـ “جزيرة جون بول الأخرى” هي صفحات الإنسان الذي كتب ذات مرة بتعال “قلبي لا يعرف سوى مرارته”.
ما هي مسرحية المشكلة؟ على الرغم من أن التسمية حديثة ليس هناك اتفاق بشأن التراجيديا والكوميديا، قد تعني التسمية لغير المثقف الدعاية وأما هو خارج هذا النطاق فقليل. عند النقاد والأكاديميين تنسحب التسمية على الدراما الحديثة بوجه عام، العصر الحديث كما يُقال، أقلع عن الأنماط الكلاسيكية في التراجيديا والكوميديا ليحل محلها مسرحية المشكلة المكرسة بكاملها للمسائل الاجتماعية السريعة الزوال مثل حق التصويت للمرأة، بعض الكتاب يفترضون أن مسرحية المشكلة تطرح فرضية وحلاً لمشكلتها. آخرون يجدون المسوّغ لكلمة المشكلة في حقيقة أن المسرحية تختتم بعلامة استفهام.
ونسأل أنفسنا ما الذي يستدعينا نحن أبناء هذا الجيل في مسرح برنار شو لنقبل على قراءة نصوصه ومشاهدة تمثيلياته؟ أهو الفكاهة؟ أم الحركة المسرحية؟ أم خطه الإنساني؟. لنجيب: كل هذا وشيء آخر. فبرنار شو هو فنان مفكر أي أديب تبدو لخياله أحداث الحياة، قيم الوجود، أفكار الناس في مواقف مضحكة، في علائق تسير الهزأ، في أناس يبدو أحدهم وكأنه يكشف للملأ عن عوراته النفسية، أو في صور كاريكاتورية، مجازات هزلية، أساطير تستثير الضحك، فالعالم مسرح تتفرج عليه، تقابله بابتسامة ولكنه يبعث من نفسك قصة، تزول الابتسامة وتبقى القصة .
إبراهيم أحمــد