ثقافةصحيفة البعث

حكمت فرح .. شاعر الفطرة والكلمة الطيبة

 

لخَّص د.ياسين فاعور الأستاذ في كلية التربية بالقنيطرة سيرة حياة صديقه الشاعر حكمت فرح الذي كُرِّمَ مؤخراً في مركز ثقافي كفرسوسة ضمن فعالية ذاكرة وطن التي تشرف عليها الإعلامية إلهام سلطان، حيث بيَّن أن فرح ولِد في بلدة ربلة-حمص عام 1937 وهي البلدة المطلّة على ضفاف نهر العاصي والتي رفرفت روحه على ضفاف عاصيها الجميل وهوائها العليل، مشيراً إلى أن فرح عمل في التعليم وانتقل لخدمة الوطن في الجيش العربي السوري، وهناك تعلَّم الكثير، متجهاً بعد ذلك إلى الصحافة التي قضى فيها أكثرَ من عشرين سنة وما زال مستمراً فيها حتى الآن.

المتنبي مَثَلُه

كانت بداية الشاعر فرح كما أوضح د.فاعور في جريدة “الينبوع” ثم مجلة “الرسالة” وجريدة “صدى لبنان” وجريدة “الثورة” السورية عام 1970 وما زال مستمراً في أداء واجبه الصحفي تجاه وطنه، ويعمل حالياً في مجلة “دنيا العرب” الني تصدر في أثينا كمدير للعلاقات العامة، مؤكداً أن مصادر ثقافة فرح غزيرة وهامة، وقد قرأ لكثير من الأدباء والشعراء القدامى والمحدثين، معتبراً الشاعرَ العربي المتنبي مَثَله، منوهاً د.فاعور إلى أعمال فرح الشعرية وهي: “دموع السجين” 1972 “فارس البعث” 1985″حافظ الشمس” 1988 “لك المجد يا حافظ” 1989 مع إشارته إلى أول قصيدة نشرها، وكان ذلك عام 1965 في جريدة “حمص” ومطلعها:

ألا يا غادةً مرت أمامي

وراحت دون وصل أو هيامِ

كما بيَّن د.فاعور قصائد كثيرة جديدة كانت نواةً لديوان شعر جديد وهو محكوم حتى أنفاسه الأخيرة بهاجسين اثنين: إيمانه بالقصيدة القديمة وتحميل قصيدته المهمات الوطنية والقومية التي يلتزم بها الشعر السياسي الحديث ذو المحتوى القومي النضالي، علماً أن المرأة بالنسبة له قصيدة، وزوجته هي ملهمته في الكثير من القصائد، ولها غنّى أول قصائده.

أبحر مع قوافي الشعر

وتعود معرفة د.جابر سلمان بالشاعر حكمت فرح لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وكان في كل مرة يأتي إليه زائراً يحتقب معه آخر إبداعاته الشعرية، وكان يحرص أشد الحرص على أن يسمعه ما دوَّنه شعراً، طالباً منه عند الانتهاء من قراءة نصوصه الشعرية أن يعطيه ملاحظات وانطباعاته الشخصية، ليجدها بعد ذلك وقد نُشِرت في الصحف اليومية أو في دورية من الدوريات الشهرية المحلية، مبيناً أن ما يميز الشاعر فرح أنه شاعر فطرة، تأسرك مفرداته وجمله وتراكيبه البعيدة عن التكلف والتعقيد، فهي تجري بانسيابية تبعث الارتياح في نفوس متلقيها، موضحاً أن موضوعاته وأعراضه الشعرية يستمدها من هموم الوطن وقضاياه، فيرى أن الوطن يكبر بشهدائه الذين جادوا بأرواحهم الطاهرة لينيروا للأجيال دروب الانتصار، فبالدماء الزكية يحيا الوطن وتجد الأمة سبيلها للخلاص، وأن الجيش هو الحصن المنيع للمجد، لا بل هو مولده ومسقط إقامته، كما أنه مصدر التضحيات التي بها أزهر الوطن ربيع انتصارات، وأنه بدماء مقاتلي الجيش تعززت اللحمة الوطنية في مواجهة ما يحاك ضد شعبنا من مؤامرات في دوائر الغرب الاستعماري، فالجيش العربي السوري هو رمز الإباء والكبرياء ومصنع الرجولة ومنبع العطاء.

وأشار سلمان إلى ما قاله الأديب والكاتب هاني الخير عن فرح ذات يوم: “لقد أبحر مع قوافي الشعر، وما يزال يتابع الرحلة الشاقة على الرغم من المصاعب التي يتعرض لها.. عرفناه شعلة من النشاط، يتملكه هاجس الكتابة الأدبية ولا سيما الشعر الذي يتعبد في محرابه”.

المحب والمتواضع

وتحدث الخوري بسام ميلاد نعمة الذي أتى من ربلة عن حكمت فرح الإنسان المحب والمتواضع، منوهاً إلى أن فرح عمل بالتدريس لمدة خمس سنوات وكان يتفانى في تقديم المعرفة والثقافة إلى أبناء بلدته ربلة الفقراء الذين تربطه بهم نفس المعاناة: الفقر والحرمان، مبيناً أن شعره يُقسم إلى ثلاثة أقسام بعد أن أبحر مع قوافي الشعر ثلاثين عاماً وما زال يتابع رحلته الشاقة ويتملكه هاجس الكلمة الأدبية لا سيما أن الشعر الذي يتنقل في محرابه شعر ذاتي وفيه أنشودة الغربة السحيقة والقلق الوجودي في مَجاهل الحياة وشعر المناسبات الذي جعله قادراً على احتواء العديد من القضايا الإنسانية الأساسية والشعر القومي الذي رصد من خلاله الأحداث التي شهدتها سورية والانتصارات الكبيرة التي عرفها، منوهاً إلى أن أهم ما يميز شعره أنه كان شعر بناء يدعو من خلاله إلى القيم الإنسانية ونشر السلام والأمان والفرح.

لم يجرفه تيار الحداثة

وعرَّف الإعلامي وديع شماس حكمت فرح بشعلة ذكاء، تعبّد في محراب الشعر، مشيراً إلى أن فرح شاعر الكلمة الطيبة والمفردة المجنحة ولم يجرفه تيار الحداثة ولم يؤخذ ببريقه أو السير في ركابه على عادة من استسهلوا النظم بطريقة الشعر الحديث وبقي وفياً لعمود الشعر العربي وطور فيه بطريقة جعلت من قصيدته التقليدية مواكبة لتيار القصيدة النثرية وتفوّق عليها بصورة جلية واضحة، مبيناً أن فرح يتمتع بحسٍّ مرهف اتجاه الآخرين ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم، ولا يتوانى عن مساعدة كل من يقصده، كما أنه محب لأسرته ولرفيقة دربه التي صاغ لها ولبلدته ربلة أعذب الألحان، ولديه كمّ هائل من القصائد التي تتناوب ما بين الوفاء لمسقط رأسه ربلة وحبّه للقائد المؤسس حافظ الأسد، حيث أشاد بأعمال ومنجزات هذا القائد العربي ليتغنى الشاعر أيضاً بمسيرة خير خلف لخير سلف الرئيس د.بشار الأسد الذي أعاد للوطن وللأمة وجهها الوضّاء، مشيراً الشماس كذلك إلى قصائد الغزل والوفاء والوصف في شعره والتي لا تقل روعة عن منظوماته الوطنية التي سكب مفرداتها بمداد عشق الوطن.

مصدر إلهام

واعترف العميد علي مقصود وهو أحد أصدقاء الشاعر فرح أنه لا يستطيع إلا أن يكون منحازاً عندما يتحدث عن الشاعر فرح وهو الذي كانت قصائده وكلماته موسيقا تحمل محبة كبيرة للوطن وما زال وهو الذي تجاوز السبعين من عمره يفيض نبعه بقصائد تترجم عظمة هذا الوطن والتي كانت مصدرَ إلهام للكثير من الشعراء بكلماته التي تحمل عبقاً ينعش نفسه ويستنهض الهمم، وخاصة في هذه الظروف التي يمر بها وطننا، فكانت قصائده تذكّر الجميع بتاريخ هذا الوطن وحضارته والذي قدم ملاحم عبر صور البطولة والانتصارات فترجم مرحلةَ كفاح الشعب السوري ضد كافة أشكال الاستعمار.

ثقافة التكريم