بين قوسين حرب تشرين والمقاومة!
ما تحتفظ به ذاكرة التاريخ عن سورية يؤكد أن المؤامرة التي تستهدفها الآن ليست المؤامرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، فلو عُدنا بذاكرتنا التاريخية إلى ما بعد الانتصار الذي حققته في حرب تشرين التحريرية عام 1973 وما تبعها من إعلان أنور السادات عن زيارته لـ”إسرائيل”، ومن ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ودقّقنا بإمعان كيف تآمرت الإدارة الأمريكية والصهيونية على سورية، مستخدمة أدواتها (الإخوان المسلمين) في الاغتيالات وتخريب المنشآت والممتلكات لزعزعة الاستقرار والأمن في سورية وخلق الفوضى لتحقيق أجندتها، وإلزام سورية بتوقيع اتفاق استسلام مع “إسرائيل” على غرار كامب ديفيد، وتغيير مواقفها الوطنية الثابتة من القضايا العربية، وتحديداً الفلسطينية، وأسقطنا كل ذلك على ما يجري الآن، لاتضحت تفاصيل المؤامرة بكل أدواتها وأهدافها.
وبالعودة إلى التاريخ ندرك تماماً أن وعي شعبنا السوري وتلاحمه ووقوفه خلف القائد الخالد حافظ الأسد أسقط هذه المؤامرة، وخرجت سورية منتصرة ثابتة على مواقفها القومية والوطنية وحاضنة للقضية الفلسطينية التي بقيت في قلب كل مواطن سوري شريف. وعبر هذا التاريخ بقيت سورية أرض الكفاح القومي ورسالته، وما زالت على الرغم من العواصف والمؤامرات قلعة الصمود وقوة الدفع القومي، وما زالت هدفاً للآخرين، وما زال هدفها وانتماؤها القومي عنوان مسيرتها وصمود قيادتها وشعبها.
وما أشبه اليوم بالأمس، فالمؤامرة التي حاكتها الإدارة الأمريكية والصهيونية والدوائر الغربية في الغرف المظلمة، بالاتفاق مع بعض الأنظمة العربية العميلة التي جنّدت نفسها وقنواتها الفضائية المأجورة في خدمة أعداء الأمة العربية والإسلامية، حيث كان الإخوان المسلمون والمجموعات التكفيرية أدوات لتنفيذ المؤامرة وسفك الدم السوري الممانع والمقاوم والطعن بوحدة سورية الوطنية بكل فئاتها وأطيافها، نجدها حاضرة الآن بكل تفاصيلها على ساحة الأحداث في بلدنا، وأجندتها التآمرية المتنقلة بين العواصم العربية والأوروبية والأمريكية تحت عنوان الشرعية الدولية وحرية الشعب السوري منذ بداية الأزمة إلى الآن، ولكن ما تم التخطيط له من تدمير للدولة السورية وتوقيع اتفاق استسلام مع “إسرائيل” والتوقف عن دعم المقاومة، بات الآن من خيال الماضي على الرغم من شراسة ووحشية وخطورة المؤامرة التي واجهها الشعب السوري المقاوم والتي لو كتب لها النجاح لكان هناك غياب حقيقي للهوية العربية والأمن القومي، بل لكان هناك انقلاب شنيع في مسار التاريخ العالمي.
ولاشك في أننا مع تعاظم التحديات، وخاصة مع المخاوف العديدة من نيات ومخططات ما يسمى التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية (داعش)، أحوج ما نكون اليوم إلى التحلي بروح تشرين القتالية لندافع عن بلدنا ونحبط المؤامرة وندحر الخونة من العربان المتآمرين، ونقهر تلك الدول التي ترتدي زيّ الحرية لتقتل الشعوب وتدمّر بلادها بصواريخ “التوما هوك” الإنسانية وبوارج الحرية وطائرات النصرة للشعوب المضطهدة من تلك الأنظمة الرافضة لهيمنة القوى الاستعمارية والمتعنّتة والصلبة في مواقفها تجاه سيادتها الوطنية وحرية شعبها ومقاومتها في سبيل كرامة أمتها.
نعم إنها سورية المكلّلة بنصر تشرين التي كانت ولا تزال محجّة المناضلين والأحرار والشرفاء، والتي وقفت على مر التاريخ على ثغور الكرامة والشرف القومي وعلى فوهة البركان والعنفوان العربي، تكتب اليوم تاريخ العالم الجديد بعزيمة شعبها ووحدته التي أسقطت كل المآرب الشيطانية العدوانية وشريعة القتل والذبح والتدمير والتخريب وأساليب النفاق والكذب والتضليل الإعلامي، ولاشك في أن شعبنا العظيم بوحدته وبتلاحمه ووفائه لقيادته الشجاعة والحكيمة، سيلحق بهم الهزيمة، وسيحرق خيوط مؤامرتهم الدنيئة التي لم تستطع عيون شرّها وألسنة حقدها مواجهة الحقيقة السورية النابضة بالمقاومة.
بشير فرزان