صحيفة البعثمحليات

هل أصبحت أسواقنا “مكباً” للتخلص من “ستوكات” البلدان المتقدمة؟! إدارة النفايات الإلكترونية مكلفة مادياً والحل بتشريعات تمنع استيراد الأجهزة المستعملة

 

 

دمشق – ميس خليل
هل تساءلت يوماً وأنت تشتري آلة كهربائية أو إلكترونية أو هاتفاً جـوالاً أو حاسوباً، كم عمر هذه الآلات؟ وما مصيرها بعد أن تصبح غير قابلة للاستعمال، فالمخلفات الإلكترونية باب آخر من أبواب التلوث، ولاسيما أن الجميع يعتقد أن أقصى ما قد يصل إليه التلوث سيكون عن طريق المُخلفات العضوية التي تحتوي على قدر أكبر من البكتيريا، ولكن مع ظهور الأجهزة الكهربائية والإلكترونية اتضح أن دائرة التلوث بدأت بالاتساع.
مدير النفايات الصلبة في محافظة دمشق موريس حداد أوضح في تصريح خاص “للبعث” أن هناك من يعتقد أننا عندما نتحدث عن المخلفات الإلكترونية فإننا بذلك نعني ما ينتج عن استخدام التكنولوجيا أو الإلكترونات بشكل عام، وهذا في الحقيقة اعتقاد خاطئ، فنحن نقصد تلك المخلفات نفسها، لكن فقط في الوقت الذي تنتهي فيه صلاحيتها وتُصبح بلا فائدة تُذكر، هنا يُمكن أن نُطلق عليها المُصطلح الذي نتحدث عنه، فالنفايات الإلكترونية هي النفايات الناتجة عن استهلاك أو تقادم الأجهزة الإلكترونية ( الحواسيب – الهواتف النقالة – الهواتف العادية – أجهزة التحكم – البطاريات بأنواعها وأحجامها ) والتي هي نواتج التكنولوجيا الحديثة والتي تنمو و تزدهر بسرعة كبيرة، وهي ذات خطورة عالية إذا لم يتم التخلص منها بشكل آمن.
حداد تحدث عن الاختلاف بين النفايات الإلكترونية والنفايات غير العضوية، مثل الزجاج والحديد والبلاستيك هي نفايات يمكن إعادة تدويرها والتعامل معها بسهولة وأمان، ولا تحتاج إلى الكثير من الخبرة، بل يكفي تجميع هذه النفايات وإرسالها إلى المعامل المختصة فيتم إعادة تدويرها، أما النفايات الإلكترونية فإنها نفايات تحتوي على عناصر سامة للإنسان والبيئة، مثل الزئبق والرصاص وبعض المعادن الخطرة وبالتالي إن التعامل مع هذه العناصر السامة يحتاج إلى خبراء وأجهزة وقاية، وهذا متوفر في الدول المتقدمة والتي تمتلك شركات كبيرة مختصة بهذا العمل.
الحل في التخلص من المخلفات الإلكترونية عالمياً يكون ليس بترميدها أو إعدامها، فهذه الحلول قد تبدو سهلة، لكنها في نفس الوقت تتسبب في الكثير من الأضرار، ولهذا فإن الحل المنطقي الوحيد يكمن في إعادة تدويرها وتحويلها إلى مواد أخرى صالحة للاستخدام، وفي هذا الإطار يوضح حداد أن إعادة تدويرها يحتاج إلى تقنية عالية وإمكانات كبيرة؛ ولذلك يتم دراسة الجدوى الاقتصادية بهذا الموضوع، وإذا لم تكن الكمية واضحة أو يومية يصعب تحديد طرق إعادة التدوير، علماً بأن تكلفة إعادة تصنيع ومعالجة النفايات الإلكترونية باهظة الثمن وذلك بسبب أن هذه النفايات تحتوي على العديد من العناصر الكيماوية، وبعض هذه العناصر خطر جداً، وكل عنصر من هذه العناصر يحتاج إلى تجهيزات خاصة لمعالجته، وإن أكثر الدول الصناعية تطوراً لم تستطع حتى الآن أن تدور أكثر من 20% من النفايات الإلكترونية التي تنتجها، ويوجد في سورية بعض الأشخاص الذين يعملون على إعادة تدوير بعض النفايات الإلكترونية بشكل شخصي وغير مرخص وغير منظم وبمجهود فردي دون الأخذ بعين الاعتبار عامل الخطورة، كما أن النفايات الإلكترونية مصنفة من النفايات الخطرة على الإنسان والبيئة إذا لم يتم التخلص منها بشكل آمن.
وحول إمكانية تقدير كمية النفايات الإلكترونية وحجمها ذكر حداد أنه لا يمكن تقدير كمية النفايات الإلكترونية أو حجمها في محافظة دمشق كون هذه النفايات غير معلنة ولا ترحل يومياً ليتم تقديرها، ولا يوجد معلومات رسمية عن كميتها، وتم تشكيل لجنة موسعة من وزارة البيئة والجهات المعنية بهذا الموضوع لوضع دليل لإدارة النفايات الإلكترونية مثل (محافظة دمشق– وزارة الإدارة المحلية والبيئة– مركز البحوث العلمية– وزارة الصناعة– مديرية الجمارك العامة)؛ وذلك لدراسة كمية هذه النفايات والجدوى الاقتصادية وطرق معالجتها، وتوقف العمل باللجنة بسبب الأحداث الراهنة كون هذا الموضوع يتطلب جولة على المحافظات وضبط الكميات الداخلة إلى القطر، ودخول قسم كبير منها بطريقة التهريب أي غير المعلن عنها، وهذا لا يمكننا من إعطاء معلومات دقيقة عن كمية النفايات الإلكترونية.
حداد تحدث عن التجربة التي قامت بها مدينة دمشق في مجال معالجة النفايات الصلبة بحيث قامت المديرية التابعة لمحافظة دمشق بإنشاء مستودع من البيتون المسلح مبني تحت الأرض خاص للنفايات الخطرة ومنها الإلكترونية منذ عام 2007، والغاية منه تخزين النفايات الخطرة بأنواعها وذلك لدراسة إمكانية إعادة تدوير هذه النفايات في حال تحقيق الجدوى الاقتصادية من إنشاء معامل لها، وفي حال كانت الجدوى الاقتصادية سلبية أي غير مجدية اقتصادياً يتم دفن هذه المواد ضمن المبنى تحت الأرض بشكل آمن ودون خطورة على تلوث التربة والهواء.
مدير النفايات الصلبة شدد على ضرورة أن تصدر الجهات المعنية التشريعات والقوانين التي تمنع استيراد الأجهزة الإلكترونية المستعملة، أو الأجهزة الالكترونية القليلة الجودة بحيث لا تصبح البلد سوقاً للتخلص من النفايات الإلكترونية الخاصة بالبلدان المتقدمة، بل تقوم باستيراد الأجهزة ذات المواصفات العالية والعمر الطويل، كما يجب على الجهات المعنية توعية المواطن وتشجيعه على فرز النفايات الإلكترونية عن النفايات الأخرى ووضعها في الحاويات الخاصة بها ولاسيما في أسواق بيع وإصلاح وصيانة الأجهزة الإلكترونية، مثل منطقة البحصة في دمشق، كما أنه يجب على المواطن أن يعي مدى خطورة النفايات الإلكترونية التي يقوم بالتعامل معها وبشكل خاص عند صيانتها، وعليه أخذ الاحتياطات اللازمة والأمان من الأبخرة الصادرة عند تعرض العناصر للحرارة، مؤكداً أن إدارة النفايات الإلكترونية هي من المشاريع الحديثة في العالم، ولكنها مكلفة مادياً، وإذا تم إنجاز هذه المشاريع فيمكن في النهاية تحويل الخسارة المادية إلى ربح وخاصة في مجال الحفاظ على البيئة وذلك بعد معرفة الكميات الموجودة والجدوى الاقتصادية من إقامة مثل هذه المشاريع.
وعن دور الإعلام والجهات الأخرى في التوعية من خطورة تلك النفايات بين حداد أنه لابد من ضرورة القيام بحملات توعية عن طريق الإعلام والجهات المعنية وبالمدارس ووزارة الإدارة المحلية والبيئة، بالإضافة إلى وضع الأماكن الخاصة لرمي مثل هذه النفايات وتجميعها؛ لأن رميها بشكل عشوائي مع باقي النفايات ينتج عنها أبخرة سامة تؤثر على البيئة (الطبيعة– الإنسان– الحيوانات البرية والبحرية).