اقتصاد

نقطة ساخنة “تنظير ضريبي”!

مؤشرات اقتصادية إيجابية بزيادة مساهمة الإيرادات العائدة من الضرائب والرسوم بنسبة وصلت إلى 46.7% في مشروع موازنة عام 2015 بالمقارنة مع موازنة عام 2014، لكن أن تكون تلك الزيادة ناتجة عن تحسّن في مستوى النشاط الاقتصادي، وبدء عودة عجلة الإنتاج تدريجياً -وفق ماورد في بيان الحكومة المالي حول مشروع قانون الموازنة العامة للدولة– وليس بسبب التزام المكلفين ضريبياً بتسديد ما ترتب عليهم، فهذا هو المؤشر غير الإيجابي وغير المبشّر رغم مرور ثلاث سنوات ونصف السنة من عمر الأزمة؟!.
ثمّة مفارقة ظاهرة في الموازنة كان يفترض على وزارة المالية توضيحها، سوف نشير إليها هنا، قبل الخوض في مسألة التهرب الضريبي الشائكة والمضنية، وذلك حين قدّرت في بيانها نسبة الزيادة في الضرائب والرسوم غير المباشرة بـ99.8%، والزيادة في الضرائب والرسوم المباشرة بـ5.1%… فهل كان الارتفاع ناجماً عن زيادة عدد المكلفين بالتسديد؟، أم إن رفع قيمة غالبية الرسوم في السنة المالية الحالية كانت سبباً في هذه الإيرادات؟.
وبالعودة إلى بيان المالية نجد أنها “ظاهرياً” أولت اهتماماً كبيراً للتحصيل الضريبي ومكافحة التهرب، كما في كل موازنة مالية، ودون أن تتوفر الإرادة الحقيقية لمعالجة أخطر نزيف تتعرض له خزينة الدولة في إيراداتها منذ ثلاثة عقود ونيف من الزمن، وإذا لم تتوفر إدارة ضريبية كفوءة تعالج الخلل في إدارة ملفات المكلفين الضريبية وأهمها اللجان الضريبية، فحتماً سيبقى التحصيل الضريبي في مستوى متدنٍ جداً.
وبالرغم من أهمية مكافحة ظاهرة التهرب الضريبي، فإنها لم تحظَ بما يتوجب من اهتمام سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي أو الفكري، على الرغم من خطورتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وعلى الرغم من أنها أصبحت في ازدياد مستمر، إما بسبب الأخطاء والثغرات القانونية في التشريعات الضريبية أو بسبب أخطاء تنفيذية.. صادفت هوى في نفس المكلف؟!.
كما أن التهرب الضريبي في المجتمع أضحى ثقافة دارجة يفتخر بعض المتهربين بحجم الأموال التي “نفد” من تسديدها، وتعززت هذه الثقافة لعدم تدخل الجهات المعنية لتحسين هذه الثقافة، ولا بد أن تتحمّل بعض الجهات الحكومية المسؤولية في هذا المجال إلى جانب المالية وتؤازرها، مثل التربية والتعليم العالي والأوقاف والجامعات، بالنظر إلى أن التهرب الضريبي منظومة متكاملة، إن أصلحنا جانباً منها ولم نصلح الباقي.. فلا نتيجة؟!
دائماً وباستمرار “يُنَظّر” الجميع في أبواب مخاطر التهرب الضريبي على الاقتصاد الوطني، والجوانب العلمية والعملية والقانونية والاقتصادية والمالية الحديثة المتعلقة بالتهرب الضريبي، وأشكاله والعناصر المكوّنة له، وأسباب ومجالات التخلص والتهرب الضريبي، والانعكاس الضريبي والازدواج الضريبي ومنعكساتهما على التهرب والتخلص الضريبي، وأساليب ومكافحة التهرب الضريبي، ونظام الفوترة وتداعياته الإيجابية..بينما يتهرب الجميع (معنيون، وفعاليات اقتصادية) من الاجتهاد بما يمكن أن يحدّ وبشكل كبير من ظاهرة التهرب (طوعاً، أم كرهاً) من خلال الأحكام والقوانين لطرق وأساليب قياس ومكافحة التهرب الضريبي والعقوبات الرادعة اللازمة لهذه الغاية.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com