اقتصادتتمات الاولى

في ظل غياب صيغة أو آلية ضبط ومراقبة لها الإعلانات العقارية مكون تسويقي مشوّه.. عنوانها التغرير ومضمونها النصب وما خفي كان أعظم!!

لا تزال الإعلانات العقارية تأخذ حيزاً لا بأس به من المشهد العام لحركة البيع والشراء بعيداً عن المصداقية والشفافية، سواء من ناحية المضمون أم من ناحية السعر، فهي أشبه ما تكون بفخ ينصب أمام طالبي السكن عسى أن يتمّ اصطيادهم بأي شكل كان، ولعل أحد أهم أسباب تفشي هذه الظاهرة هو غياب أدنى الأدبيات الواجب توفرها في الإعلان، وربما لعدم اضطلاع المؤسسة العربية للإعلان بدورها الرقابي الحقيقي والإشرافي على كل ما ينشر من مواد وصور إعلانية خاصة في المواقع الإلكترونية التي نأى معظمها بعيداً عن الأصول المهنية للإعلان، ما يستدعي بالضرورة إيجاد صيغة أو آلية رقابية تضبط عملها، ولاسيما أنها ستتربع على عرش الإعلام مستقبلاً حسب توقعات واستقراءات بعض الخبراء الذين يؤكدون أن عام 2040 سيكون خالياً من الصحافة المطبوعة.

حركة وهمية
وبالعودة إلى الإعلانات العقارية نجد أن المتابع لها ينتابه شعور بأن حركة سوقنا العقارية في أوج نشاطها نتيجة لما يلحظه من استحواذ القطاع العقاري على الحصة الكبرى من سيل الإعلانات المنشورة فيها، ولربما يتبادر –للوهلة الأولى– إلى ذهن أي متابع للإعلانات العقارية ضرورة أن يضع كل ما يمتلكه من عقارات -حتى تلك التي يقطنها– برسم البيع عساه يحظى بنصيب ولو يسير من الكعكة العقارية، ولكن من يمعن النظر ويدقق في ما تقع عليه عيناه من تلك الإعلانات يجد أنها بعيدة عن الجدية إلى حد كبير وذلك من خلال عرض معلنيها لأسعار مبيع إما خيالية صعبة المنال أو زهيدة لدرجة الرمزية وفقاً لما يصفه الإعلان (بينما في حقيقة الأمر ما خفي كان أعظم)، فضلاً عن التغرير الذي يمارسه المعلنون بحق كل من يرغب باقتناء منزل أو امتلاك محل تجاري أو قطعة أرض، وكأن من يريد شراء أي عقار عن طريق الإعلان سيقتنع بمواصفاته الطوباوية المسطرة على صفحات الصحيفة دون التحقق منها على أرض الواقع.

ضحية
ويؤكد أحد ضحايا هذه الإعلانات أنها استطاعت التغرير به بعد أن شدّه أحدها، حول شقة بمساحة 50م2 معروضة للبيع وبمواصفات تؤكد أنها تصلح للاستثمار التجاري، في منطقة حيوية قريبة من دمشق وبموقع إستراتيجي قريب جداً من الشارع الرئيسي وبسعر لا يتجاوز الـ 4 ملايين ليرة سورية فقط وقابل للتفاوض، والأهم من ذلك أن عملية البيع والشراء ستتم مباشرة بين البائع والشاري دون وسيط، ما يعني توفير بعض المصاريف الزائدة المتعلقة بما يسمى (الكومسيون)!.
وكانت المفاجأة أنه ولدى اتصاله بالرقم المذيّل أسفل الإعلان أن صاحب هذا الرقم هو سمسار عقاري كلفه صاحب الشقة بعرضها للبيع في مكتبه بسعر 3.5 ملايين ليرة لقاء عمولة نسبتها 2.5% حسب المتعارف عليه بين المكاتب العقارية (علماً أنها بموجب القانون 1% )، لكن جشع السمسار وطمعه بالحصول على أكبر نسبة ممكنة من هذه الصفقة دفعه إلى محاولة إقناع طالب هذه الشقة بأنه اشتراها من صاحبها وسدد له كامل المبلغ، ولكن لم يفرغها لصالحه على اعتبار أن القصد من شرائها هو المتاجرة بها، وأنه سيجعل صاحبها الأساسي يفرغها له في حال تمّ الاتفاق عليها، وعندما عرف هذا الضحية حقيقة اللعبة وبعض خيوطها أحجم عن الشراء خشية اكتشاف خيوط أخرى قد تؤدي به إلى متاهات هو بغنى عنها.

نعتقد وبحزم..
لقد بات من الضرورة الملحة أن يوضع حدّ لمثل هذه الممارسات المخلّة بالعمل الإعلاني، على اعتبار أن الإعلان هو نتيجة نشاط اقتصادي له حضور إيجابي في المشهد الاقتصادي العام، وداعم رئيسيّ للمكونات الاستثمارية، وأي إخلال به يعني بالنتيجة فقدان المصداقية والموثوقية، ماينعكس بالتالي على سير العملية الاستثمارية وعرقلتها خاصة المُستقطَب منها.

دمشق– حسن النابلسي