ثقافة

أجمل أمهات الدراما السورية

لعل من أروع الألقاب التي أطلقت على الفنانة الراحلة نبيلة النابلسي لقب “المثالية النبيلة” و”أجمل أمهات الدراما السورية” ومن منا ينسى أدوار الأم التي جسدتها وكانت تنضح بالحنان والشفافية، كانت تتماهى مع الدور لتعيشه حقيقة، فنالت بذلك محبة الجمهور وإعجابهم. بدأ حبها للفن بعمر مبكر وكان الدخول إلى عالم السينما أحد أكبر أحلامها وطموحاتها، وكانت بداياتها في الإعلانات التلفزيونية إلى أن اكتشفها المخرج نبيل المالح عام 1970 وأعطاها دور الفلاحة الفقيرة الحامل في فيلم “رجال تحت الشمس” وقفت فيه إلى جانب يوسف حنا وخالد تاجا واستطاعت أن تثبت أنها موهبة تستحق التبني.
ومن ثم تتالت الأفلام فكان “وجه آخر للحب والعار” وغيرهما من العلامات الفارقة في مسيرتها، حيث شكلت حياتها الفنية مساحة كبيرة من المحبة والمودة مع الجمهور والكاميرا، فقد عايشناها في الكثير من أدوارها المتميّزة، وهي صاحبة التاريخ الطويل في الفن الذي بدأته في السينما في عمر مبكر عبر مشاركتها في أفلام عربية حققت فيها تميزاً وحضوراً، وبعدها شرعت لها أبواب الفن على مصراعيها، فكانت المبدعة والحالمة بأن ترتقي بهذا الإبداع إلى المستوى الذي يليق بها كفنانة سورية، فكان لها ما رغبت وكانت رسالتها الفنية متناغمة مع رسالتها الإنسانية إذ ساهمت في رسم البسمة على وجوه كثير من الناس الذين قست عليهم الحياة، وهي الأم التي ترعى طفلاً معوقاً نذرت له حياتها وبذلت كل جهدها لتجعله يتجاوز إعاقته ويعيش الحياة بكل أبعادها الجميلة فكانت له مشاركات في الرسم والمسرح وكثير من الفعاليات، وهذا ليس بغريب على إنسان والدته فنانة آمنت أن الفن ليس ترفيهاً ولا متعة بلا فائدة، وإنما هو توجيه وتربية وشيء له علاقة بحياة الإنسان والمجتمع معاً، ولذلك ركزت اهتمامها في خياراتها الفنية على قضايا الناس ومشكلاتهم، لذلك كانت ترفض الأعمال التي تقتصر في مضمونها على الفرجة أو المتعة فقط.
كانت الصداقة مقدسة بالنسبة للفنانة الراحلة، ولم تقتصر على الوسط الفني فقط بل كانت منفتحة على كل شرائح المجتمع، لكن كانت غالبية أصدقائها من الرجال لشعورها أن الرجل أكثر وفاء لها من المرأة، فاقتصرت صداقتها في الوسط الفني على صديقتين كانتا مقربتين جداً لها، إضافة إلى أن الفن لم يأخذها من بيتها وأولادها، فكما كانت حاضرة في الفن كانت مثال الزوجة والأم في منزلها تديره بأدق تفاصيله وكان يشغل كل وقتها.
وبالنسبة لأدوار الأم في تجربة نبيلة النابلسي الفنية لم تكن سوى خيار أرادته في سن مبكرة، لدرجة تروي فيها أنها كانت تضطر في أدوار الأم الأولى التي قدمتها للجوء إلى المكياج لتبدو مقنعة أكثر، ومع تقدم العمر كانت أدوار الأم تبدو الأكثر التصاقاً بالراحلة النابلسي، وقد نجحت في أدائها فكانت في كل مرة تضفي من روحها ما هو مختلف على النص المكتوب، لتخرج علينا بشخصية أم جديدة لا تشبه ما قدمته من قبل الأمر الذي جنّبها الوقوع في مطب التنميط.
بعد مسيرة فنية طويلة لا يمكن أن تختصر ببضع كلمات رحلت تلك النبيلة بعد أن خطفت من شعاع القمر خيطاً طرزت به صورة الأم لتبقى أجمل أمهات الدراما السورية وعلامة فارقة على الصعيد الفني والإنساني على حد سواء، ورغم الغياب لازالت نبيلة النابلسي في ذاكرة المشاهدين أيقونة للفن الحقيقي.
جلال نديم صالح