ثقافة

هالة شوكت.. الوردة الكبيرة في الفن السوري

لم تكن عمة العيلة (العمة جميلة) المهتمة بجمالها على الدوام تتصنع الدور أبداً، وإنما هو الواقع.. جميلة بكل معنى الكلمة، فجمالها فتح لها الطريق باتجاه الشهرة والنجومية في وقت لم تكن هناك كوادر نسائية في الوسط المسرحي والسينمائي، فقد لفتت الأنظار لموهبتها بجمالها الموروث من جذورها التركية، حتى أصبحت واحدة من أبرز فنانات جيل الرواد، تألقت في المسرح والتلفزيون والسينما، وتنقلت في أدوارها بين الابنة والأم والزوجة والحماة والمرأة المتصابية، عاصرت زمن الفن الجميل، وكانت من وجوهه المتميزة التي اتسمت بجرأتها الفريدة في وقت كان يصعب فيه على المرأة العمل في المجال الفني.
حقق جمالها حضوراً طيباً فقد دخلت عالم الفن وهي تبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً، عن طريق المصادفة، عندما ظهرت صورتها على غلاف إحدى المجلات كوجه اجتماعي من وجوه دمشق فلفتت الأنظار إليها بجمالها وأناقتها ووجهها السينمائي فرسم مصيرها المخرج المصري عاطف سالم عام 1958، وقدمها في فيلم (موعد مع المجهول) أمام عمر الشريف حيث أطلق عليها الاسم الفني هالة شوكت وبعدها أصبحت العروض تنهال عليها مع أنها كانت ترغب أن تكون الاستفادة منها في التمثيل أكثر من حضورها كفتاة جميلة.
هالة شوكت من جيل الرواد الذي تعب وجاهد حتى استطاع أن يجعل للفن مركزاً اجتماعياً متقدماً ومحترماً، كانت انطلاقتها وشهرتها مع المسرح القومي في سورية في أول عرض مسرحي لها “العنب الحامض” بعد منتصف الخمسينيات، وانتسبت إلى نقابة الفنانين في سورية عام 1968، ومن أعمالها المسرحية: “ترويض الشرسة”، “موت بائع جوال”، “الخجول في القصر”، “طرطوف”، “بين ساعة وساعة”، و”كاسك يا وطن” مع الفنان دريد لحام خارج المسرح القومي، وقدمت عدة مسلسلات إذاعية في إذاعة دمشق وعدداً من أغاني الأطفال.
كان حضورها مميزاً حيث قدمت أيضاً عدة أعمال تلفزيونية طوال مسيرتها الفنية، ابتداءً من مسلسل “اليتيم” و”زقاق المايلة” في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، والدراما الغنائية “سالم وجميلة”، ثم تتالت الأعمال الدرامية عليها ومنها: “بصمات على جدار الزمن”، “عائلة أبو الخير”، “الشوكة السوداء”، “أيام شامية”، “الخوالي”، “المسلسل البدوي شوق”، “حي المزار”، “اللوحة السوداء”، “ورود في تربة مالحة”، “عرسان آخر زمن”، “كسر الخواطر”، “عشتار”، “أزواج”، وآخر أعمالها “ليالي الصالحية” مع المخرج بسام الملا.
كما عملت في السينما وشاركت في عدة أفلام سورية وجزائرية ومصرية ولبنانية وسورية مشتركة، وكانت أغلب أفلامها من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، ومنها: “سائق الشاحنة”، “الزائرة”، “سواقة التاكسي”، “اللص الظريف”، “الثعلب”، “ذكرى ليلة حب”، “الخاطئون”، “مأساة فتاة شرقية”.
“هالة شوكت هي الضحكة والجمال والذوق والأناقة والفن الكبير، هي الوردة الكبيرة التي قدرت الفن ونورت القلوب”.. بهذه الكلمات عبر الفنانون السوريون عن هالة يوم تكريمها من قبل نقابة الفنانين في دار السعادة للمسنين الذي قضت فيه سنواتها الأخيرة، حيث اكتفت من على كرسيها المتحرك بنظرة حب دافئة ضمت جميع من حولها وعانقتهم واحداً تلو الآخر، فقالت الفنانة وفاء موصلي “الرعب الطفولي الذي رسم على وجهها في يوم  التكريم، هو أكثر الأمور التي انطبعت في الذاكرة”.. كانت ملامحها الجميلة، والإطلالة الأنيقة ذاتها، لم تزل تنبض فيها حياة رغم ما فعلته السنون في جسدها، بكت هالة شوكت عندما داهمها تصفيق الحضور في بداية التكريم، تأثرت وتوترت قليلاً، ثم سرعان ما أمنت لوجوه من حولها.. من فنانين شاركوها مشوار حياتها الفنية، ومسنين يتقاسمون معها اليوم حياة الدار، ابتسمت لهم وقد غمروها بالحب.
توفيت الفنانة القديرة عن عمر الخامسة والسبعين في السابع والعشرين من نيسان عام 2007 في دار السعادة للمسنين في دمشق، بعد مسيرة من العطاء والتميز، وبعد أن تركت بصمة واضحة في أعمالها الفنية من خلال صدقها في التعبير وعفوية الأداء.
جمان بركات