بين قوسين لا ريش فوق الرأس؟!
ذهب الزمان الذي كان الجهاز التفتيشي يمارس فيه سلطاته وصلاحياته الرقابية على الوزارات والمؤسسات، منشغلاً بقضايا وملفات وتقارير الغير ومرحلاً ملف بيته الداخلي إلى أجل أصبح مسمّى هذه الأيام، بعدما كان مركوناً، إما لتراكم الأعمال والنشاطات المرتبطة بغسيل الجهات غير النظيف، أو لمعايير واعتبارات مهنية لا تخلو من التقييم وإصلاح ذات البين، ولكن خلف كواليس المكاتب وجدران الرقابة التفتيشية التي طالما كانت سميكة قبل أن تعلن الهيئة بعقليتها الجديدة الانفتاح على الإعلام، لتبدو هذه الجهة أكثر قابلية للعمل في الضوء حتى ولو تطلّب الأمر إظهار التوجهات والكشف عن النوايا وتفاصيلها المرتبطة بوضع كوادر وعناصر الهيئة في ميزان واحد مع القطاع العام أياً تكن طبيعته وقطاعاته؟!.
ومع أن الكثير ممن نلتقيهم من رجالات التفتيش يعترضون على التهم الجاهزة بأنهم محصّنون وبعيدون عن المحاسبة والمساءلة وكشف تجاوزات وأخطاء وأوجه فساد ومبازرات البعض، فهم بالنتيجة موظفون ولا ريشة فوق رؤوسهم، إلا أن الواقع يقول إن ما يسري على الجهات العامة من قوانين وأنظمة هو نفسه الذي ينطبق على الهيئة، وهذا ما يتفق عليه الجميع عن ظهر قلب ولا يحتاج لإثبات مادامت النوايا تصبّ في خانة التصويب وبلورة العمل والأداء داخلياً وعلى مستوى المؤسسات بحدية توقف التسيب وتكبح جماح الفساد، وتعطّل هدر المال العام وتبتر مظاهر استغلال المنصب وتوظيف إمكانيات وموارد الدولة للصالح الفردي.
بصريح العبارة حريّ بذراعي الدولة التدخليتين في أداء الجهات، جهاز الرقابة المالية وهيئة التفتيش، أن تكونا بمثابة “البعبع” الذي لا ينام فوق رؤوس المؤسسات، ولاسيما تلك التي تعدّ مرتعاً للفساد والسرقة والنهب في زمن الحرب وانشغال الدولة بالأمن، وهذا ما بدا جلياً في التحول الإستراتيجي الذي أخذ طابعاً إعلامياً هذه المرة على عكس الصورة النمطية للهيئة التي تسارع الخطا لإعلام الصحافة بكل تحركاتها وتوجهاتها الميدانية التي بدأتها منذ أسابيع عبر استهداف محافظات بأكملها بفرق تفتيشية مركزية تبحث عن الرقابة الشاملة، لتقييم الأداء الحكومي ووضع اليد على مكامن الخلل ومكافحة الفساد مع التركيز على أولوية حماية المال العام وتحقيق الجانب الوقائي الذي يشتغل عليه لبثّ حالة نفسية تردع من يسيئ أو يفكر بالإساءة.
قلنا إن ما يجري هو حملة مركزة تطال الجميع في إطار الخطط السنوية التي تضعها الهيئة، كما يقول القاضي نذير خير الله، لكن الجديد والأهم كما أسلفنا تقييم آلية العمل في فروع الهيئة وتنظيف حيثيات أداء العاملين بالتفتيش، مع الوقوف عن كثب على كيفية إنجاز القضايا التفتيشية. وهنا يسأل البعض: لماذا لا تصدر الهيئة تقريراً يتشابه مع تقرير الرقابة المالية يتضمن السلبي والإيجابي، ومن ضمن ها نقد ذات الهيئة ومحاسبة من يساهمون بالتغطية على وجوه الفساد السوداء!!.
علي بلال قاسم