ثقافة

ولو كره الكارهون

خير الكلام ما قال ودل كما قالت العرب، من لا يرى الشمس من الغربال هو أعمى، أيضا قالت العرب. انجازان لو لم يكن لحزب البعث العربي إثر ثورة  “8 أذار-1963، وقيامه بالحركة التصحيحية  في 16 تشرين الثاني 1970، لكفاه واحد منهما أن يكون حزب الجماهير والشعب بكافة فئاته بحق: حرب تشرين التحريرية التي قادها الخالد حافظ الأسد محطما مرة واحدة وإلى الأبد أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وترويض طيش فتى الفرات الجامح “نهر الفرات العظيم”، بإنشاء سد الفرات على مجراه، وليّ عنقه لتصير مياهه المهدورة سدى في السهول والأغوار، فتاة عاقلة تسير في الجداول وهي تزور الحقول، وهاهو رجل كان يرتحل لأيام عن عائلته لتأمين المياه، يفتح صنبوراً صغيراً في البيت، فتنداح منه مياه الفرات كموال رقاوي يخلب الألباب.
دل الكلام القليل يا سادة على أن الحركة التصحيحية هي حركة لائبة في التاريخ السوري المعاصر، من القاعدة صعودا حتى أعلى العاصفة، فالحركة التي قامت لتصحيح مسارات عديدة في عقيدة الحزب ونهجه، لم تكتف بتأكيدها على أنها بنت الناس بالقول، هاهي أفعالها تدل عليها ولو كره الكارهون.
بنظرة عامة إلى التاريخ سنرى أن كل سلطة استلمت زمام الحكم في زمان ومكان ما، قامت فورا بالعديد من الانجازات العمرانية الباذخة لتدل عليها وعلى زمنها، فهام فراعنة مصر يبنون الأهرام، وهاهم الدمشقيون يشيدون أيقونة الشرق “الجامع الأموي” وهاهو الخليج العربي يبني ناطحات سحاب تسكنها الريح، وهاهو حزب البعث يبني المعامل وينشئ السدود العملاقة ويطوق المدن السورية بالجامعات والمدارس والمعاهد العلمية والفنية وبالمعامل والسدود.
وليس من مجال للمقارنة بين ما كان بالأمس القريب، قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها المئات كقرية “داريا” الواقعة على أطراف العاصمة السورية مثلا، وبين مدينة داريا التي أصبحت قبلة صناعة الأخشاب واللوازم البيتية بكافة أنواعها اليوم.
ولو عدنا بالتاريخ إلى عام 1960، وأجرينا مسحاً شاملاً للبلاد من أقصاها إلى أقصاها  قبل تولي البعث وحركته التصحيحية زمام الحكم في سورية، سنجد أن الريف السوري كان ريفا بدائيا، بضع تجمعات سكانية هنا وهناك، ومدن هامدة تعيش على صناعات يدوية خفيفة، وجمهور من الناس العاطل عن العمل أيضا. إلا أن هذا كان من ماضي الأيام، فالتصحيح أدلى بعصاه لتبتلع كل الثعابين، وهاهي كفه على الناس والشعب، بيضاء دون سوء، ومن أراد أن ينكر لهذا الحزب ولقائده إنجازاته العظيمة، فما عليه إلا أن يعود بالتاريخ للوراء قليلا، وهنا لا نطالبه بأن يقرأ عن مشروع هنا أو افتتاح مدرسة صغيرة هناك، بل نقل له قم وتفضل وعاين بنفسك، تلكم مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا نحن الطلبة، وتلكم معاملنا ونقاباتنا نحن العمال، وذلك فخرنا وعزنا نحن السوريون، الجيش العربي السوري، ما زال رابضا كأسد من نار على بوابة الوطن، يحمي التاريخ الذي صنعه، بالموت تارة وبالحياة تارات. تلكم حركتنا التصحيحية التي تنكرون، فهاتوا بيناتكم إن كنتم صادقين.
تمام علي بركات