اقتصاد

الـ”مُرِيد” والمردة..!

تسرد إحدى روايات أدب الهراء أن أحد المديرين التنفيذيين دخل إلى المستودع المركزي لمديريته ضمن إطار جولة تفتيشية فريدة من نوعها لاعتبارات إعلامية ليس إلا، فوجد فانوساً قديماً مرميّاً بين ركام مستلزمات مكتبية وكهربائية وما شابه، أكل الدهر عليه وشرب!.
لم يتوانَ هذا المدير عن أخذ الفانوس بعد أن أثار شكله الغريب الرغبة باقتنائه ليتباهى به أمام ضيوفه، لإعطائهم انطباعاً بأنه من رواد الثقافة والتراث، ولدى محاولته نفض غبار السنين المتراكمة على جانبي الفانوس، سرعان ما خرج منه دخان كثيف حجب الرؤية في فناء المستودع للوهلة الأولى ليظهر لاحقاً ماردٌ ضخمٌ أثار رعباً غير مسبوق لدى المدير، ليتبدّد هذا الرعب شيئاً فشيئاً مع خروج كلمات المارد (شبيك لبيك خادمك بين يديك… اطلب وتمنّى…  أموال…قصور… سيارات…الخ).
سرعان ما استعاد المدير رباطة جأشه، ورفع صوته “الجهوري” الخشن بوجه المارد قائلاً بنبرة غاضبة: (أنت مَن يجب أن يطلب مني وليس العكس، فتاريخي الوظيفي أهّلَني بأدوات مكّنتني من الحصول على أي شيء بكل سهولة ويسر دون الرجوع إلى أحد)، فما كان من المارد إلا أن عاد أدراجه إلى مخبئه مستكيناً بعيداً عن هذا الواقع الموبوء!.
لعل إسقاطات هذه القصة الخيالية على بعض متنفذينا من المسؤولين المؤتمنين على مصالح العباد والبلاد، تنفي عنها صفة الخيالية، فكم من (مردة) يعيثون فساداً بيننا، حادوا عن طريق تسيير أمور المواطن والبلد، ليسلكوا طرقاً ملتوية يمررون عبرها صفقاتهم المدانة، غير آبهين بما ستجلبه من كوارث على ما أؤتمنوا عليه..!.
ولأننا محكومون بالأمل –وفق تعبير المسرحي الراحل سعد الله ونوس– فإننا نستبشر خيراً ببعض الخطوات –وإن كانت على المستوى الضيق حالياً– إلا أنها تعتبر بداية وضع قطار الإصلاح على السكة المناسبة، ومن هذه الخطوات إقدام وزارة التنمية الإدارية الوليدة من رحم الأزمة، على إنجاز نحو20 وحدة إدارية موزعة على بعض مؤسساتنا الحكومية، والرقم بازدياد ليصل إلى 1000 وحدة نهاية العام القادم وفقاً لوزيرها حسان النوري.
رغم اعتقادنا أن هذه الخطوة لا تكفي لاجتثاث الفساد، إلا أنها كفيلة بضبط آليات العمل الإداري، لأن هذه الوحدات تتبع إدارياً إلى رأس هرم الجهة الموجودة فيها، وتتبع فنياً إلى وزارة التنمية الإدارية، ويبقى أن تدخل بقية الأجهزة الرقابية بقوة على خط مكافحة الفساد وبعقلية تتناسب مع خطورة هذه الظاهرة، على ألا تستثني أحداً من المتورطين مهما صغر أو كبر موقعه، مع الإشارة إلى أن رأس هرم الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش سبق أن أكد أن مشروع قانون الرقابة الجديد يعطي الهيئة صلاحيات واسعة تخوّلها تقليم أظافر الفساد قاطبة، ولنا في قادمات الأيام بصيص أمل بخطوات أكبر وأكثر جرأة في هذا المجال!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com