الإصلاح الإداري والإصلاح الإرادي كي نصلح ما ندير علينا أن نصلح ما نريد
لعقود مضت، ونتيجة لكثير من مظاهر الخلل والفساد، التي ظهرت على أكثر من صعيد، كثيراً ما تردّد مصطلحا الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الإداري، فضلاً عن إصلاحات أخرى، على لسان الكثير من الرسميين، ما دفع باتجاه اتخاذ العديد من الإجراءات الهادفة إلى تحقيق الإصلاح، حيث تم تنظيم العديد من اللجان والملتقيات المعنية، وتم تدارس إقرار وإحداث المجلس الوطني للإصلاح الاقتصادي، ومن ثم تم إحداث وزارة للتنمية الإدارية، استمر عملها بعض السنوات -لاحقاً تم إلغاؤها-، ولكن المعمول كان أقل مقاربة لما هو مأمول، ما أوجب أن يبقى الطموح الرسمي والشعبي قائماً ومستمراً، بخصوص كل ما هو منشود في مسيرة الإصلاح، وفي كل الجوانب، إذ إن تحقيق الإصلاح في جانب مترابط على أوسع نطاق مع تحقيق الإصلاح في جوانب أخرى، لأن الإصلاح متكامل اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وبيئياً وتعليمياً وغير ذلك.
كثيرون يسألون، لماذا لم يتحقق الإصلاح الذي يُطبَّل ويُزمَّر له منذ سنوات، ولكن كثيرين يجيبون قائلين: إن تحقق الإصلاح كان ولا يزال مرهوناً بصلاح العاملين عليه، وعدم تحقق الإصلاح بالحجم المطلوب في هذا الجانب أو ذاك يعود إلى أن العاملين على تحقيقه، لم يكونوا صالحين في أفكارهم ولا في ممارساتهم، وبالتالي لا ينضح الإناء إلا بما فيه، لا بل كثيراً ما تبيّن أن أداء بعضهم –باسم الإصلاح– أدّى إلى مزيد من الخلل– أكان ذلك نتيجة جهل أو ضعف أو عن سابق عمد وإصرار -بحجة أنه يصلح، وطالما أنه في موقع التشريع أو التنفيذ، لم يجد من يردعه، لا بل كثيراً ما أوذِي أولئك الذين أشاروا إلى أمثال هؤلاء، أو حاولوا ردعهم بصيغة ما، كل ذلك أبقى كثيراً من الإدارات في دائرة الخلل نفسها، أو أن هذه الدائرة توسعت، وأصبح الخلل أكبر، ما أظهر بشكل جلي تحقق المقولة التالية: “حيث توفر الصلاح يتحقق الإصلاح”.
رغم كل هذا لا يزال الإصلاح المنشود هدفاً مطروحاً بقوة، ولابد من العمل على تحقيقه، ما دفع السلطات الرسمية إلى أن ترى ضرورة العودة مجدداً إلى إقرار إحداث الوزارة المختصة (وزارة التنمية الإدارية)، وتم تكليف الوزير السابق نفسه، اعتماداً على خبرته، واختصاصه وطموحاته في تحقيق ذلك.
كل ذلك جاء نتيجة قناعة السلطات الرسمية بأن الإصلاح الإداري هو المدخل والأساس لكل إصلاح آخر، إذ ما من جهة، حكومية كانت أم منظماتية أم أهلية مجتمعية، إلا وعلى رأسها إدارة مركزية وضمنها إدارات فرعية، ومن المفترض أن تكون جميع هذه الإدارات –كل وفق مجريات العمل المعمول به- هي المعنية بالإصلاح المنشود، إذ هي صاحبة القرار تشريعاً وتنفيذاً، في كل ما يتعلق بشؤون عملها، وإذا لم تكن هذه الإدارات صالحة، لم ولن ينجم عن أدائها الإصلاح، إذ لم ولن يتحقق الإصلاح إلا على أيدي الصالحين، فصلاح الإدارات يستوجب أن يكون العاملون على رأسها ومفاصلها من أهل الصلاح في المنطلقات والرؤى والأفكار والأخلاق والقيم الوطنية، المترافق مع توفر الكفاءات والمؤهلات التي تمكنهم من استثمار الرؤى الصالحة في تحقيق الإصلاح، وينطبق ذلك على جميع العاملين في الإدارات على تنوّعها وتبعيتها، وتحديداً أصحاب المهام على تتابع تراتبيتهم، المتوجب أن يتحلّوا بإرادة الإصلاح وامتلاك الإمكانات العلمية والعملية والصلاحيات التي تخوّلهم تنفيذ إرادتهم في استخدام الإمكانات المتاحة بين أيديهم لتحقيق الإصلاح المعمول لأجله.
والمتمعّن يرى ضرورة أن يبدأ تحقق ذلك أولاً في جميع الأجهزة الرقابية على تنوّعها وتعدّدها، وتحديداً القضاء، وأصحاب المهام العليا، إذ إن الأجهزة الرقابية وأصحاب المهام العليا هم القدوة المثلى لغيرهم، وإذا لم يتحقق ذلك ستبقى الشكوى من ضعف أو عدم تحقق الإصلاح قائمة، ما يعني أننا ما زلنا في دائرة خلل توسّعت، بدلاً من أن تضيق، فلكي نصلح ما ندير علينا أن نصلح ما نريد.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية