ثقافة

أدب النصيحة هذا الإنسان البسيط.. العظيم

أرجو أن أبدأ حديثي اليوم بذكر النصيحة من البداية، وهي أن عليك كلما رأيت فلاحاً في الطريق، وفي أي مكان، أن تبادر إليه فتوقفه وتصافحه وتشكره. فالفلاح يتعامل وطوال حياته مع الأرض، والتي تحتاج منه بالتالي إلى الماء والبذار والأسمدة وعمل الأشهر الطويلة، وبكل حرص ومراقبة ومتابعة، وحماية أيضاً، ونأتي نحن أخيراً، التجار والضمّانة بالجملة ونصف الجملة وربع الجملة، وفي الأسواق في كل المدن والقرى وفي كل البلاد، نبيع ونشتري كل ما زرع وحصد وبالأسعار التي نريد ونحدد، ونحتكر ونخفي إذا شئنا ونصدّر، ونستورد بالأموال بضاعات أخرى، وهو بالكاد يستطيع أن يؤمن قوت يومه لعياله طوال العام ولا تعينه وتشفق عليه وعلى زوجته وأولاده إلا الأرض نفسها حين يزرع هنا وهناك وقرب بيته بعض الخضار التي يمكن زراعتها، ويأخذ منها ما تبقى منها أيضاً، بعد أن يأخذ منها من يشاء، من المارة أو الجيران والأقرباء أحياناً!

لا تقولوا إنني أبالغ! خاصة بعد أن ظهرت هناك اتحادات ودوائر معنية لمساعدته وإقراضه وتحديد الأسعار لصالحه وصالح المستهلك، فكل هؤلاء يحسبون مصالحهم قبل مصلحته، وفي أحايين كثيرة على حساب  مصلحته، ويعيش حياته هو وكل أفراد أسرته وفي آماله وآمالهم أن يأتي يوم الحصاد أو يوم تقاضي الأجر، وهو عندنا يحدث كل شهر حين يتقاضى الموظفون والعمال أجورهم ورواتبهم، ويحدث كل يوم حين يحسب التجار والباعة ما قد ربحوا في هذا اليوم من حياتهم الطويلة والدائمة في البيع والشراء والأرباح.

أما الفلاح فغالباً ما يطوي ما حدث له هذا الموسم ليعود ويعيش على أمل الزراعة وما سيأتيه في الموسم القادم، ويطوي معه كل أفراد أسرته ما كانوا يحلمون به ويحصلون على الوعود الأكيدة بتحقيقه، وخاصة مثل الزواج من ابنة العم أو التسجيل في مدرسة المدينة أو المدرسة البعيدة إلى آخر أحلام الفقراء المحبين للأرض.

أعود فأكرر إنني لا أبالغ فيما أقول، خاصة وأن شيئاً حقيقياً وملموساً لم يحدث في حياته ليضمن له كما يضمن لنا عادة، كل هذه الحقوق بالأجور والرواتب والأرباح الشهرية والأسبوعية واليومية كما ذكرنا.

وإذا عدتم وقلتم لي إنني أبالغ ولا أعرف فسأقول لكم إنني لا أبالغ وأعرف، ففي كل مجال من مجالات حياتنا ولسوء الحظ أو ربما لحسنه، صارت هناك فئات تستفيد وحتى في أسوأ الظروف والحالات، هذا فضلاً عن الفئات الأخرى، وهي الأكثرية، والتي لها ما يضمن تأمين المقابل لأعمالها من الأرباح والأجور والرواتب، وإذا قلتم لي هناك الاتحاد والجمعيات، فسأقول لكم هناك المقال الآخر عن هذا الموضوع أيضاً. وهكذا تكون النصيحة اليوم أنك كلما رأيت فلاحاً في الطريق، وفي أي مكان، أن تصافحه وتشكره؛ ويكون من الأفضل أيضاً أن تعتذر له عن هذا الاستغلال والإهمال الذي نرتكبه بحقه على الدوام وباستمرار!.