محليات

متوارون عن الرقابة؟!

لأننا في زمن “اقتصاد الاستثناء” فإن الشذوذ عن القاعدة لا يعدّ إشكالياً ما دامت الظرفية هي المعيار الذي تبنى عليه بعض التوجّهات والقرارات وليس كلها، فالمراعاة والأخذ بالحسبان يعدّان ضرورة ملحة لتأمين عوامل الديمومة والبقاء، وهذا ما كان أرضية لركن الكماليات على الرف والتركيز على الأساسيات في قضايا التمويل والتصنيع والتسويق والاستهلاك الذي يفترض أن يكون رشيداً ومنضبطاً في التكتيك الفردي والمؤسساتي اليومي منه والاستراتيجي حتى إشعار انطفاء الحرب على الدولة والشعب؟!.
ندرك أن ثمة تخصصاً ومسؤوليات ومهام ملقاة على عاتق كل جهة في العمل العام إنتاجياً أو خدمياً تحدّدها الأنظمة والقوانين والتشريعات،  ولكن لا ريب أن نجاري دعوات الحكومة بأن “يكون كل مواطن مسؤولاً” ومن موقعه، بحيث يصبح مراقباً وليس مجرّد شاكٍ بل واضع حلّ بالشراكة مع الجهة المعنية في الحكومة أو القطاع الأهلي والخاص، وهذا ما يعتبره الجميع واجباً تمليه “المواطنة” التي تعني النفع العام في وقت الشدائد وضيق الخناق والمحن أكثر منه في زمن الرخاء والاستقرار.
قد يكون الفرد محطّ لوم دائم من الكثير من المؤسسات والجهات على تقصيره ونكوصه عن ممارسة دوره الرقابي، وهي محقة في كل ما تقول لكن أليس حرياً بالمؤسسات نفسها أن تقوم بالدور نفسه الذي تطلبه من الآخرين،  حيث نلمس تقاعس من يفترض بهم أن يكونوا في واجهة المشرفين على الأداء والسوق لتتلقى الدوائر الرقابية والجمعيات الرديفة نقداً لا ينقطع من الأوساط كافة عن تراخي دورها وقصور حضورها ونشاطها هذا عدا الضلوع في عمليات وفصول فساد باتت معروفة للجميع، لتنبري بعض الجهات ذات العلاقة والشأن بملء الفراغ الذي عجزت عنه الأجهزة المختصة وهذا ليس تعدّياً أو إزاحة وسوء توظيف واستثمار للصلاحيات والأدوار بقدر ما هو حالة طبيعية لتحصين ومحاربة القطاعات الاقتصادية من المتاجرين واللصوص ومستغلي الأزمات حيث لا يتوانى بعض مدّعي حمايتها عن سرقتها تحت جنح الحماية والصون؟.
والسؤال: ما الضير في قيام مؤسسة التبغ بالرقابة على سوق الدخان على قدم وساق مع حماة المستهلك؟ وما المشكلة لو كلفت عناصر من بعض الوزارات حسب التخصص مرافقة الدوريات من وزارة الزراعة إذا كان سوق الهال الهدف؟ ومن وزارة الكهرباء إذا كانت الإلكترونيات مقصداً؟ ومن وزارة السياحة إذا كانت المطاعم والفنادق مقصداً؟، وفي حالات أخرى ليس عيباً أن تمارس المؤسسات رقابة ضمن مهامها إذا اعتبرنا أن في كل وزارة ومديرية رقابة داخلية لا مانع أن توسّع دائرة نشاطها وتفرد مظلة أعمالها لتساعد في محاربة الفاسدين والمسيئين والمحتكرين والغشاشين؟.
قد يكون الواجب الأخلاقي والوظيفي هما المحرّضين اللذين تفتقدهما مؤسسات الأعلاف والأسمدة والدواجن اللواتي تتحفظ على الرقابة تحت ذريعة أن هذا ليس من شأنها وبحجج واهية لا تنم إلا عن تمنّع ورفض المشاركة فقط “لإراحة البال” واختصار جبهات العمل وإدارة الظهر بذريعة تجنّب المساءلة، وهل في الغيرية والمساندة وتقديم المعلومة والمشاركة في حمل سلاح القانون عيب وسوء أداء، أم أن الفردية التي نحارب تتجلى في معظمها عند أولئك الرافضين والمتوارين عن العمل؟.
علي بلال قاسم