ثقافة

العنف والجريمة في السينما الأمريكية

وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها منذ نشأتها وجهاً لوجه مع العنف، سواء في تأسيس المجتمع أو في تحديد أولوياته، أو في الصراع من أجل البقاء من خلال السيطرة على الأرض والثروة لبناء ما عُرف بالعالم الجديد باستكشاف القارة واستيطانها.
إن التحولات التاريخية التي شهدتها هذه الثقافة وهذا العقل تثبت أن أجواء العنف التي ولدت في كنفها ابتداء من المواجهة مع شعب الهنود الحمر، حيث تقدم الوثائق صورة ما كان من أمر تلك الحقبة من عنف ومأساة. وإذا كانت الأزمات هي الوجه الآخر من أوجه تشكل ثقافة العنف والجريمة في المجتمع الأمريكي، فإن الحرب الأهلية الأمريكية تبرز كواحدة من أشد الأزمات وطأة التي رسّخت العنف في العقل الأمريكي. حيث وجد أن أمريكا الديمقراطية مدججة بالسلاح وينتشر فيها أكثر من 200 مليون بندقية ومسدس وأنه في كل يوم يسقط آلاف القتلى، إضافة لعدد كبير من السجناء ورجال العصابات. وهكذا يختفي الخط الوهمي الذي يفصل بين سيناريوهات العنف الهوليودي على شاشات السينما وواقع العنف والجريمة الذي يسود الواقع الأمريكي والذي تبرع الآلة الأمريكية في تقديمه للعالم في السينما والحياة، والذي يعدّ رافداً رئيسياً في تغذية منابع الإرهاب الدولي. وعلى هذا فإن ملامح العنف تتضح من خلال خصائص هذا المجتمع المندفع نحو الحداثة والتكنولوجيا، ولعل هذا الاندفاع إنما هو جزء من منظومة سياسية تحكم هذا المجتمع وتشكل ملامح العنف فيه. من هنا فإن المنطلق الأول في تتبع مسألة العنف في الذاكرة الجماعية للمجتمع يتجلّى من خلال تتبع المنظومة السياسية في إطارها العام. وعلى هذا فإن هناك سؤالاً يواجهه العديد من نجوم السينما الأمريكية هو إذا ما كانوا يرون علاقة بين مشاهدة العنف والقتل في السينما، وقيام العنف والقتل في الحياة اليومية خارج جدران الصالة السينمائية، سؤال تم طرحه على ثلاثة ممثلين قاموا ببطولة ثلاثة أفلام بنيت جميعاً على قدر كبير من العنف والعديد من الضحايا بمن فيهم من غير الأبرياء. هؤلاء الممثلون هم سيلفستر ستالون الذي لعب بطولة “رصاصة في الرأس” لـ: جي– وون كيم، وبروس، ويليس الذي اضطلع ببطولة “يوم طيب للموت” أو كما عرف في عدد من عروضه الدولية.  والثلاثة اشتركوا في بطولة فيلم “المستهلكون” الذي لم يقلّ عنفاً، متحدثاً عن فريق يرى الحل في الانتقام والقتل المضاد.
بالطبع، جاء جواب كل هؤلاء عن السؤال بالنفي القاطع، فقد قال آرنولد شوارتز نيفر: “أبداً، ليست هناك أي علاقة بين العنف على الشاشة والعنف في الواقع. العنف في الواقع له مسبّبات اجتماعية. والعنف على الشاشة تنفيس”. ومثلهما نفى بروس ويليس وجود أي رابط لهؤلاء جميعاً، كما لسواهم من الممثلين الذين يؤدون حالياً أفلاماً تتساقط فيها الضحايا وتتطاير الرؤوس أو تصطدم فيها الحافلات وتتهاوى خلالها المباني ساحقة ضحايا أبرياء، كل منهم بنى شهرته ونجوميته وكذلك ثروته الكبيرة على أدوار البطولة الفردية في أفلام تتوجه إلى الجمهور السائد ببطل وحيد يقرر ممارسة واجبه الوطني كما يراه. ويستمر الفيلم في القول وهو ما علينا نحن المشاهدين أن نراه ونوافق عليه. ومهما يكن من أمر، فإن الفيلم المبنيّ على العنف فعل لا قيمة له. ذلك الذي يسوّق العنف في تشكيل فني أو أسلوبي ولغاية تتجاوز العنف لرصد حالات فردية أو اجتماعية أو سياسية، يبقى بعيداً عن الإيعاز بالجريمة. ما هو ثابت أن الأفراد الضعفاء ينحتون من الموسيقى والكتب، والسينما ثقافة شعبية مشاكلة لأفعالهم الناشزة. نعم ليس هناك من فيلم يتسبّب في جريمة مباشرة، لكن هناك ثقافة تستطيع أن تثري الجريمة وأخرى تحدّ منها. ذلك أن التماهي بين رواية الجريمة والعنف والسينما إنما يؤكد هوية ثقافية محددة الملامح فيما يخصّ الثقافة الأمريكية، فلقد كانت العوامل المؤثرة في نشأة وظهور خطاب الجريمة في الرواية الأمريكية هي نفسها التي تغلغلت في الوعي واللاوعي الجمعي الأمريكي بمعنى وجود العوامل والتجارب والخبرات المشتركة التي أسهمت في رسم ملامح أدب الجريمة. وقد وفّر هذا النوع من الروايات مادة أولية للسينمائيين عبر الأجيال السينمائية اللاحقة في كون الرواية والقصة تعبيراً مبدعاً للأحداث والشخصيات والمكان والبيئة، ونقلاً لصور من تطور الحياة وأنماط العيش والمراحل التي مرّت بها الحياة الأمريكية.
لقد كان هناك نوع من الأدب هو أدب الجريمة الذي تعامل مع الجرائم، إنه أدب تميّز عن الأشكال السردية السائدة الأخرى مثل الروايات التاريخية. وكان هذا الأدب موضع اهتمام ودراسة العديد من الباحثين والدارسين مثل جاك دريدا وجان لا كان اللذين درسا وحلّلا أعمال “ادغار آلن بو” رائد قصة الجريمة في الأدب الأمريكي.

إعداد: إبراهيم أحمد