ثقافة

د. حسن حميد ينسج قصيدة شعر عن صاحب الخزعندار والخندف

لم تكن جلسة الأربعاء في مقرّ اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين مثل سابقاتها ذات الطابع الحواري النقدي ،إذ اتخذت هذه الجلسة التي ترأسها الكاتب أحمد جميل الحسن طابع الإصغاء إلى السرد الشعري والمشهدية الروائية التي ألقاها د. حسن حميد عن الكاتب عدنان عمامة الذي عزز فعل المقاومة برواياته وأشعاره ،والذي مات بطريقة مأساوية كحياته ومعاناته من الفقر المدقع ،وبقيت أنفاسه حبيسة حلم العودة إلى شاطئ طبريا لكن ذاك الحلم رافقه في صندوق خشبي ليدفن في دمشق معه ،عمامة الذي تميّز بالواقعية السحرية لم يأخذ حظه من الحياة ولم ينل حظه من النقاد.فتناول د.حميد الذي يردد دائماً أنا أكتب للجميلة فلسطين أشهر رواياته الخزعندار والخندف ،وتوقف عند ديوانه الأول السجن 65.وبقيت مخطوطة رواية القلعة على عتبات الزمن تنتظر.
بدأ د.حسن حميد حديثه عن الكتابات النقدية التي لم تكن الضفة الموازية للنصوص الإبداعية التي كُتبت بفعل تأييد المقاومة وجسارة المواجهة وتاريخ جديد كتبته الحياة الفلسطينية بعد ضياع الوطن ،فكان لابدّ من الفعل الكتابي كما كان لابدّ من الفعل المقاوم فمضت نحو دروب جديدة نحو الجليل من جهة  ونحو أريحا من جهة أخرى حتى صارت شربة الماء من طبريا حلماً يوازي حلم الشهادة ،وقد عزز حضور ذلك الفعل الفلسطيني تلك الكتابات المقاومة، ثم أفرد مساحة لتساؤلات تتعلق بمدى نجاعة الكتابات النقدية وهل تمكنت من الوقوف عند تجربة عند عدد من الأدباء الفلسطينيين؟ وماذا قدمت لتجربة الراحل محمود درويش بكل ما تحمله من عمق؟

غنائية الأغوار
ومن عالم التساؤلات النقدية يلج د.حميد إلى عالم عدنان عمامة الفدائي والروائي ذاك البطل الذي حمل في شغاف قلبه وجع الحنين وأرقه هاجس العودة وعاش الفقر المدقع منتظراً لقاء معشوقته فلسطين ،لكنه لم يعد إليها، بل عاد إلى دمشق بصندوق خشبي بعدما كان يردد_كما قال د.حميد _”لكم تمنيت أن أدوس ترابها الطيب الذي داسه السيد المسيح عليه السلام ،لكم تمنيت أن أشرب شربة ماء من طبريا ولو شربة واحدة”.وتوقف د. حميد عند ديوان شعره الأول الذي أصدره بناءً على إلحاح أصدقائه “السجن 65″الذي مزج فيه بين التاريخ والتراث الشعبي وبين الواقعي والخيالي وروح الأسطورة فكان أشبه بغنائية رعوية تشبه الأغوار وتناجي أمواج طبريا وتفيض ببطولات الفدائيين ،ورغم شكل الديوان المتقشف بالورق والأسطر المتزاحمات إلا أنه يأخذ مجامع القلب لما فيه من بهجة الشعر وجمالية الاشتقاقات .وأوضح د.حميد أن عمامة لم يكن ينوي منافسة الشعراء الذين عاصرهم ولم يكن منافساً لأحمد دحبور ومحمد القيسي ومي صايغ، أراد أن يكون شهيداً وقلباً يدق للفدائيين.

الخزعندار هي الأقرب
وبعد هذا الديوان فاجأ عمامة الجميع بكتابة رواية تقف عند عتبات القدس وعقباتها، فكما يتابع د.حميد تقفى النثر وتسرب الشعر إلى تفاصيل السرد وتميّز باستخدامه المفردات القديمة والغريبة والمستمدة من التراث الفلسطيني ،كماعبث بقواعد اللغة العربية فكتب روايته العزيزة “الخزعندار” التي حظيت بالنباهة والواقعية الساحرة وأراد من خلالها أن يؤسس لحالة أدبية أشبه بقرية مشلوحة خلف الكروم ،فصاغ بأسلوب غير مسبوق كل السلوكيات البشرية وترجمت كل انكساراته وخيباته وإحباطاته، جمعت بين الحاضر والماضي والهواجس والأحلام، وكانت المعادل الموضوعي للمواطن الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، ولمن يعيش في مخيمات خان دنون وجرمانا وسبينة، وهنا أضاف د.حميد مقارنة أدبية :كانت توءمة مع رواية المتشائل لإميل حبيبي ولكنه لم يقلده لأن الحبيبي كان يسخر مما يراه حوله في فلسطين وعمامة يسخر مما يراه في المنفى ،والمتشائل كشفت عن جوهر الحبيبي كما كشفت الخزعندار عن جوهر عمامة فانسدلت على بطل الخزعندار كل تناقضات الحياة، إنه البطل المبشر بالنور وسط الظلمة، وطائر الفينيق الذي يطير بجناحيه فوق الحرائق .وقد لاقت هذه الرواية تصفيقاً رائعاً في المشاهد العربية والفلسطينية ،لكنه لم يدرك أهمية صنيعه وظل على حزنه الممدد الذي وصفه بقوله “ماتت المشاعر وتبلدت” فالتفت إلى عمله الصحفي لكن نفسه التواقة إلى عالم الإبداع أخذته إلى عالم الرواية وروايته “الحومة” التي جسدت الواقع الفلسطيني بكل تفاصيله لأن غايات صغيرة وقفت في طريق تحرير فلسطين وراحت الأحلام القصيرة تغطي الحلم الأكبر في تحرير فلسطين فصارت الزعامة في الواقع الفلسطيني أشبه بحومة تشبه حومة طيور الشوح.

الزعامة ولو على مقبرة
ومنها انطلق إلى روايته الثانية المهداة إلى أهل الحضارة والثقافة والتاريخ الفلسطيني، وللفلسطينيين الذين فعلوا الكثير ليكونوا حركة التحرير والتحرر الأولى. لكن بعد التحوّل إلى عالم المفاوضات وبعدما أُيّدت الثقافة الفلسطينية انهار كل شيء حتى غدا أدب المقاومة الفلسطينية لعنة ترفضها دور النشر.

الفدائي ليس “سوبرمان”
وعلى هامش الجلسة تابع الحديث عن عمامة الأديب عبد الفتاح إدريس فتحدث عن تميّزه بنمط كتابة لم يكتب به أحد ،إذ كتب عن قاع المجتمع وارتبط بالمقاومة وبدأ حياته بالأغوار مقاتلاً ،وبرأي إدريس بدا تميّز عمامة في رواية “الولد سلمان” المهداة إلى أخيه الذي استشهد فكان أول من كتب عن الفدائي كإنسان وليس كبطل خارق.
وتبقى جلسة الأربعاء كما قال د.حميد تمثل حالة إنعاش وتطور لثقافة المقاومة التي نحتاج إليها في هذا الوقت الذي ازدادت فيه قوة الدور اليهودي فننشد المحبة التي نادى بها السيد المسيح.
مِلده شويكاني