محليات

مخاض القوانين!

“لم يكن بالإمكان أكثر مما كان”، هذا هو الوصف الدقيق لسيناريو القوانين الناظمة لعمل عمال القطاع الخاص وعلاقتهم بأرباب العمل، والتعديلات التشريعية التي أُضيفت لمواكبة المستجدات وترميم الثغرات الموجودة في القوانين السابقة، حيث انشغل الجميع ولسنوات طويلة بجلسات الحوار الاجتماعي التي وضعت هموم عمال هذا القطاع على طاولة النقاش، فكانت حقوقهم حاضرة في مسلسل الاجتماعات الطويلة بتسمياتها المختلفة وعناوينها المرتبكة في ساحات عدم الالتزام وغياب التطبيق، والشيء اللافت أنها كانت دائماً مادة دسمة للحوار والأخذ والرد بين أطراف الحوار الاجتماعي الذين تتباين مواقفهم من مطالب هؤلاء العمال الذين كانوا يعملون تحت “حد” الاستقالات المسبقة وعقود الإذعان والتوقيع على اعترافات بالسرقة التي شرعنت تذاكر التسريح والطرد بيد غالبية أصحاب المنشآت الخاصة.
وفي قراءة متأنية للوقائع والمشكلات العمالية المتراكمة في القطاع الخاص، نصل إلى خلاصة مفادها أن ولادة القانون (17) الذي جاء بديلاً عن القانون (91) بعد مخاض طويل في حلبات الحوار العقيم لم تكن ذات جدوى كبيرة، ولم تشعر الشريحة العمالية المستهدفة باختلاف كبير في واقعها، فالمظلة القانونية وإجراءاتها الإصلاحية بقيت خارج أبواب الكثير من المنشآت الخاصة مع التأكيد على عدم التعميم، وهناك منشآت كانت سباقة للتقيّد والالتزام بمواد القانون الجديد سواء في العلن أو في داخل مكاتبها التي حرصت على منح هؤلاء العمال حقوقهم مقابل التزام العامل بواجباته ومسؤولياته.
وبصراحة قد تجيز الظروف الحالية لأرباب العمل بعض التجاوزات وتمنحهم الاستثنائية، إلا أن ذلك لا يمنع من اتخاذ مواقف أكثر حزماً وقرارات أكثر فاعلية داخل القطاع الخاص لتحقيق العدالة لمن يعمل فيه دون أية حماية سوى ضمانة الضمير التي باتت من الأمور النادرة، والكثير من التصرفات تثبت بالدليل القاطع أن التشريعات عاجزة عن أداء دورها وعالقة في مرحلة التشخيص، وأن كل ما تمخّض عن جولات الحوار خلال السنوات الماضية لم يكن سوى السراب والعودة إلى نقطة الصفر وإعادة السيناريو ذاته عبر سلسلة طويلة من الاجتماعات والشواهد في الكثير من المؤسسات والمعامل الخاصة (التربوية والصناعية والتجارية وغيرها).
ولاشك أن المحاولات المستمرة لتحقيق خطوة حقيقيّة وإيجابية في هذا المجال وتكثيف الجهود لتخطي كافة المشكلات والقضايا الإشكالية في المنشات الخاصة، تصطدم بعدم وجود أرضية تفاهم مشتركة مع بعض أرباب العمل، ووجود العديد من الصعوبات التي تحول دون إعادة الثقة بينهم وبين شركاء الحوار (النقابات) التي تسعى لتوسيع المظلة النقابية والدخول إلى المنشآت الخاصة لتأطير عمالها نقابياً وقوننة علاقات العمل فيها.
فهل ستشرع أبواب هذا القطاع أمام التشريعات الناظمة وتعديلاتها المستقبلية وأمام التنظيم النقابي، أم ستستمر حالة الانغلاق والإغلاق في وجه القوانين والنقابات، وبشكل يضمن بقاء سيطرة رب العمل على عماله والتحكم بهم خارج سلطة القانون، والثمن لقمة العيش؟؟!.
بشير فرزان
basherf 72 @gmail.com