ثقافة

حزب الله.. قصة النشأة والواجب المقدس

تلقف القراء هذا المنجز الجديد، من خلال شغف يسكنهم مفخخ بالأسئلة، وهو معرفة ماذا يدور في بيت “حزب الله”، ولم يكن الأمر مستهجناً حين طبع الكتاب لثلاث مرات خلال شهر واحد، ويعزا ذلك إلى أن الدكتور حسن فضل الله المؤلف، هو أحد أبناء المطبخ السياسي للحزب المحكم الإغلاق.. فمنذ البدء دأب الكاتب على إعطاء منجزه صبغة الموضوعية، وهذا ليس بالأمر الصعب بالنسبة للمؤلف الذي يمتلك كل مقومات ومفاتيح ما سيدلي به، وهي رؤية ليست بالحيادية المطلقة، نظراً إلى أن حزب الله ليس مؤسسة حكومية خاضعة للمكاشفة المطلقة، وأن فحوى المنجز عبارة عن مراسلات مسجلة أصولاً في محاضر خاصة أعلن الكثير منها في وسائل الإعلام مسبقاً، لكن المؤلف صاغها بطريقة أخرى أقرب إلى السيرة، بدءاً من قوله: “نحاول سبر أغوار حزب الله بالوطن والدولة، وذلك من خلال تحديد الأصول التي يستقي منها رؤيته لهما، وتبيان المسار التاريخي للعلاقة بهما منذ نشأته إلى تاريخ وضع هذا الكتاب”. منطلقاً في تبيان الإشكالية التي تطال البعد الفكري، من خلال ترك الأسئلة لمتلقيه: “كيف يمكن التوفيق بين الهويتين الدينية والوطنية في بلد مثل لبنان، يمتاز بتنوعه الديني، وكيف يمكن لحزب مقاوم مثل حزب الله، الجمع بين توليه بنفسه مسؤوليات من اختصاص الدولة (الدفاع عن الوطن وحمايته) من خلال ما يملكه من سلاح، وإيمانه بمفهوم الدولة”. هذا ما جعلني أرد على الأسئلة آنفة الذكر بسؤال الند: “ألا يعد هذا انتقاصاً من دور الدولة”؟. مما حدا بالكاتب الالتفاف حولي، في محاولة مباشرة للقبض عليّ كقارئ عليم، معللاً: “إن هذه التساؤلات وغيرها، ستقودنا إلى تحديد المرتكزات التي يبني عليها حزب الله رؤيته لهذه الدولة، والبحث عن المستور منها لإماطة اللثام عنه، وتقديم الأدلة والشواهد عليها، وقد يكون كثير منها ورد في سياقات متنوعة، أو يكشف عنه لأول مرة، ألا وهي قصة حزب الله مع الدولة في لبنان”. ليسهب في تفنيد أفكاره بالقول إن: “وجود الوطن عادةً متلازم مع وجود القانون الذي ينظم العلاقة داخله، وإلا فالأوطان التي تعصف فيها الفتن، وتعمها الفوضى عقوداً من الزمن، لا تبقى أوطاناً، يحتاج القانون إلى دولة تطبقه، لتحقق الأمن، وتفشي العدالة بين الناس، فمفهوم الوطن يظل واحداً، مهما تقلبت الظروف، لارتباطه بعناصر ثابتة، كالجغرافية، والعلاقات الإنسانية، والروابط الاجتماعية”. ففي ظل غياب كل تلك المعطيات كان لابد حسب قول الكاتب من: “قيام التفاعلات الشعبية وجعله تفاعلا ناقما بسبب غياب الدولة وتجلى ذلك بعنوانين: 1- غياب الدولة الحامية، 2- انعدام الرعاية من قبل الدولة”. “والتي هي قائمة بالأصل على أساس طائفي من خلال مشهدية تختزلها الصور الآتية: *الامتيازات الخاصة. *الرفاهية الاقتصادية. *التطور العمراني. *احتكار السلطة. مما فاقم الحرمان المتزايد، شعور مجتمع بأكمله بالمظلومية، فزادت الهوة بين الدولة وفئات كثيرة من مواطنيها، وهو ما جعل البحث عن الدولة المفقودة في لبنان عملية شاقة وصعبة، وحين العثور عليها، لا تبدو سليمة أو معافاة”.
من هنا وحسب المؤلف مبيناً كيف وضعت البذرة في التراب: “كان هذا هو المسار الطبيعي للحالة اللبنانية، فبموازاة سيطرة أصحاب النهج الطائفي، وتحالف قوى رأس المال على الدولة، انتشرت أفكار ثورية للتغيير في السياسة والاقتصاد والثقافة، ووجدت بيئة شعبية متحفزة لهذا التغيير. وقد تكون إحدى ميزات حزب الله أنه لم يولد على النمط التقليدي المعروف لنشأة الأحزاب، فهو حزب ولد في الميدان، وولادته في الميدان أعطته ميزات مغايرة عن الأحزاب الأخرى، وكان ذلك في الجلسة الأولى لمجلس شورى حزب الله في 24/1/1983”.
وفي فصل مستقل عن علاقة “حزب الله” مع سورية أوجز ذلك بقول المؤلف: “تلاقى الحزب مع سورية في الهدف المركزي، أي التصدي لإسرائيل”. ومن خلال علاقة إستراتيجية بالرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي وفر للمقاومة مظلة حماية، وقدرة على إزالة الألغام والمعوقات من طريقها، ليصار البحث عن موطئ قدم لها في تركيبة الدولة وذلك انطلاقاً من بعدين: *إيجاد صوت مؤثر يعبر عن المقاومة من داخل منظومة الدولة. *توفير بيئة سياسية – إنمائية لجمهور واسع بدأ يلح على المقاومة لتأمين مقومات صموده. وانطلاقاً مما سلف، حرص الحزب على إعطاء صراعه مع العدو بعداً وطنياً، وتشكل من خلال ذلك حرص موازٍ على حصر المشكلة بين المقاومة وإسرائيل، وليس بين لبنان وإسرائيل”. وهذا ما حدا بإسرائيل بعد انكسارها في تموز، أن تدخل من نافذة السياسة الخبيثة، يقول الكاتب: “لم يكن بوسع إسرائيل تغيير المعادلة بقوة جيشها، خشية التورط مجدداً في مواجهة المقاومة في لبنان، فلجأت إلى خيار أقل كلفة وأكثر ربحاً على المدى الإستراتيجي، تغيير (المعادلة الداخلية اللبنانية) بإعادة رسم توازناتها من خلال إخراج سورية من لبنان، وهذا يسمح بتغيير السلطة السياسية، وطرح شعار نزع سلاح حزب الله بعد تصنيفه كميليشيا وليس مقاومة”.

هامش: “حزب الله والدولة في لبنان”.
صادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر (طبعة ثالثة)2015.
طلال مرتضى