” مارجن كول”عليك أن تتوخّ الحذر!
على سطح البناء بانتظار قدوم مالك الشركة يقف الشبان بيتر،سيث وويل الذي يهمس حانقاً:”هذا الرجل يبدو كقاتل لعين” في إشارة إلى”جاريد كوهين” أحد كبار موظفي الشركة، يتسلق حافة السطح فيصرخ الشابان: توقف! ما الذي يريد فعله؟ يبتسم متراجعاً ويقول: أتعلم أن الخوف الذي ينتابك هنا ليس من السقوط نفسه إنما من أن تأتيك الجرأة على القفز، ويتابع: تحدث أموراً كثيرة في هذه الشركة لن تصدقاها، هناك في الداخل لا يكترثون إن خسر الجميع، المهم أن لا يخسروا هم” كان الثلاثة قد استبعدوا من حضور الاجتماع المصيري” ليس للصغار معرفة ما يجول في عقول الكبار في عالم المال”.
هي الليلة السابقة والساعات القليلة قبيل الانهيار الكبير الذي أصاب الاقتصاد العالمي سنة 2008، ساعات سبقتها عملية استغناء عن عدد كبير من موظفي الشركة وهي عملية تلجأ إليها الشركات الكبرى بحجة الحد من المصاريف كلما استشعرت محنة أو أزمة مقبلة. أول المصروفين من العمل”إيريك دايل” الذي كان يقترب من سن التقاعد، يجمع أشياءه بهدوء وبينما تتخذ بشأنه مجموعة إجراءات تضمن للشركة سلامتها، لا ينسى أن يتوجه بالتهنئة لمن سيحل مكانه في العمل قائلاً:”تهانيَّ ويل أنك ما زلت على قيد الحياة”. ويكمل:كنت أواجه مشكلة ما في هذا الملف، فيطمئنه ويل أن ليس عليه القلق فهذا الأمر لم يعد من شأنه.
في طريقه للخروج، إيريك الذي أخرج من عالم المال قبل إتمام دراسته في تحليل الحركة المالية للشركة يودع سيث وموظفه المخلص بيتر سوليفان ويسلمه ملفه الشائك قائلا:”توخّ الحذر! ستسوء الأمور كثيراً قبل أن تبدأ بالتحسن ثانية”.
بعد أن يتأكد من رحيل جميع المصروفين يقف سام أمام الناجين من الطرد ويقول مهنئاً:”الكثير من الموظفين أرسلوا اليوم إلى منازلهم ليس لأنهم غير جيدين، لكنكم كنتم الأفضل وهذه هي فرصتكم، ثم يكمل:”بهذة الطريقة استمرت الشركة لمدة 107 سنوات”.
لا أحد ذكي
بيتر سوليفان الشاب الطموح الذي دخل عالم الأعمال والعقارات سعياً وراء المال بالرغم من نيله شهادة الدكتوراه في علم الصواريخ يكتشف الكارثة فور اطلاعه على الملف، وبينما الجميع منشغل بين محتفل بنجاته أو غارق في يأسه بعد الاستغناء عنه يتجمد من هول ما اكتشفه”التقلبات التاريخية ومستويات التداول التي تعتمدها الشركة باتت تتخطى الحدود الطبيعية منذ فترة وعندما ستصل حدا معيناً ستواجه الانهيار التام. يخبر رئيسه المباشر”ويل” الذي يستدعي سام المدير التنفيذي للشركة ويؤدي دوره الممثل”كيفن سبيسي” لتبدأ سلسلة كبار الموظفين بالقدوم للبحث عن حل بما فيهم بالطبع “جون تولد” الرأس الأكبر.
في الطريق إلى الاجتماع الكبير يتوجه جاريد إلى الشابين بيتر وسيث بالقول:”عليكما بشرح الوضع على حقيقته بلا مواربة، لا أحد هنا ذكي كفاية بما فيهم أنت عالم الصواريخ”.
الساعات التي سبقت الكارثة هي كل ما تدور حوله أحداث الفيلم الذي يتناول قضية نادراً ما تناولتها السينما ومكاتب الشركة هي ساحة الحدث إذن ما يحمل الفيلم هو الحدث، الأداء المتميز والحوار الدقيق الذي سينقل لنا المشاعر المتناقضة من يأس وخوف ورعب وقسوة ووحشية المال وأصحاب المال التوتر والقلق الذي وصل حد الرعب وتمكن من الجميع حتى المالك “تولد”.
الموسيقى ستتوقف
يشرح بيتر بوضوح أن الدراسة التي قام بها إيريك تغطي أسبوعين مضيا لأسعار تداول غير طبيعية منذراً أن الخسائر ستكون أكبر من كل أملاك الشركة، يهمس تولد:”يعني أن الموسيقى سوف تتوقف، وسوف نحتفظ بأكبر مبلع من الديون عبر التاريخ”.
“تولد” الذي يؤمن أن في عالم المال عليك أن تكون الأول، الأذكى ولا تتوانى عن اللجوء إلى الغش لا يجد سواه وسيلة بعد سلسلة الاجتماعات التي جرت قبل طلوع فجر اليوم التالي” سيتم بيع جميع ممتلكات الشركة قبل أن يعلم العالم بانهيار الأسعار.
– إلى من سنبيع؟ يسأله سام فيجيب: إلى من كنا نبيع دوماً.
– لكنك ستخسر جميع زبائنك، المسألة بشعة جداً.
– نحن باعة، كنا نبيع وإلى الآن نحن نبيع،ويصرخ غاضباً عليك أن تبيع حتى لوالدتك.
يتوجه سام إلى الجميع يائساً محبطاً تتنازعه أخلاقه من جهة وضغوط الحياة والمستقبل الغامض من جهة ثانية:
– هذه الخطوة ستقضي على الشركة، تذكروا هذا اليوم جيدا أيها الشباب.”كان يعلم بالتأكيد أن الدوائر تدور وأن الخطوة التالية قائمة جديدة من الموظفين العاطلين عن العمل.
هذه الساعات القليلة أظهرت الصراع الكبير الذي تعيشه مجتمعات المال في سبيل النجاة، صراع مراكز وصفقات في الظاهر لكنه صراع أخلاقي بالتأكيد يسير بالجميع خلف أهدافهم بين من تأخذه سطوة المال وبين من يشغله مصير الناس الذين ستجرفهم الكوارث في الطريق.
أداء الممثلين المتميز من الرائع “ كيفن سبيسي” إلى جيرمي آيرونز الذي أدى دور”جون تولد” ديمي مور بدور”سارة بيترسون” وستانلي توتشي الذي أدى دور”إيريك دايل” أضاف تميزاً وقيمة مختلفة لفيلم يسلط الضوء على وحش المال الذي يسحق كل من يقف في طريقه غير عابئ حتى بأصحاب المال أنفسهم.
الفيلم الذي أخرجه” جي سي تشاندلر” وأنتج في العام 2011 ينتهي بمشهد رمزي يحفر فيه سام قبراً لكلبته التي احتضرت طوال الفيلم، ربما كان القبر لدفن الكلبة وربما كان لدفن آخر آمالنا بأن يكترث النظام المالي العالمي يوماً بمصير الإنسانية.
بشرى الحكيم