ثقافة

بين أثير الهواء وأزيز الرصاص

تمام علي بركات
جادت علي السيدة العتمة التي صارت متوفرة بكثرة والحمد لله بعد الانقطاع شبه الدائم للكهرباء ،بأن استمعت إلى إذاعة من إذاعاتنا المحلية، سابحة موجتها في الفضاء لتبث برنامجا عجيبا غريبا، يقدمه شاب صوته “رومانسي” كي يتلاءم وطبيعة البرنامج القائمة على طرح العديد من القضايا الساخنة حقيقة والموجهة إلى الشباب السوري المقاتل في المرحلة التي يصفها الجميع ودون استثناء بأنها حاسمة، وهي كذلك فعلا كما لم تكن قبلا في وطن يخوض حربا شكلها عسكري أما نواتها ففكرية وأخلاقية وثقافية.
أما القضية المصيرية التي طرحها البرنامج الآنف الذكر على الشبيبة فهي: ما هو الشيء الذي يجب علينا فعله في حال انتهت علاقة الحب التي تجمع شاب ما بفتاة ما؟
نفس المصادفة المظلمة قادتني لأستمع في يوم آخر إلى إذاعة سورية “أخرى” أيضا برنامجاً موجهاً للشباب السوري الذي يخوض واحدة من أشرس الحروب في التاريخ وعلى جميع الأصعدة ،هذه المرة على لسان ممثلة أمورة وقورة ،تطرح تلك الفنانة “الحكيمة”أيضا قضية لا تحتمل التأجيل وهي: القضية ذاتها: ماذا ستفعلون يا شباب في حال انفصلتم عن حبيباتكم، وماذا ستفعلن يا صبايا إن هجركن الحبيب؟.
الشباب حائرون يتفكرون فالقضية المطروحة نكأت الجراح وهي تحتاج إلى صفنة طويلة مع الذات ،باعتبار أن الوقت مناسب كل المناسبة لاسترجاع الأوقات الجميلة والآمال الخائبة.
لا أريد أن أحدثكم عن الأجوبة والردود القيّمة التي حملها الهواء ليصبها في أذني كوابل من الكلام الذي لا رأس له ولا قدم وما يهم فيه أي بالكلام ليس المعنى بل المدة. لأنني لا أريد أن أصدق ما سمعت! ولا أريد لآذانكم أن تتشنف من هول ما جاء وما ورد على ألسنة شباب سوريين في زمن حرب طاحنة، هناك من يريد أن يبقيهم فريسة الحيرة والجهل والإسفاف.
الغريب أن مقدم البرنامج “الهامس” لم يكن مقتنعا بالأجوبة الكلاسيكية التي جاءت عبر الأثير من شباب حائر ولا شيء يشغل باله إلا بث لواعجه عل وعسى أن تحمل موجة الـ fm عبراته للحبيبة التي خانت عهود الود في المرحلة الإعدادية، حيث جاءت تلك الردود دبلوماسية حسب ما تقتضيه أدبيات الراديو”رمز الحرية الفكرية” ومنها: أتمنى لها السعادة، اتركها للزمن، سأبقى أحبه من بعيد لبعيد..الخ.
لكن مقدمنا العزيز كان يريد أجوبة ملتهبة، أجوبة فيها تشفٍ وغل وتوعد ووعيد، فهذه الردود المؤدبة لن تستفز من يستمع للبرنامج فتلتهب أحاسيسه ويحمله وجع الذكرى للاتصال وإجراء مداخلة تولع الأجواء، وتحمس الشبيبة على تكثيف اتصالاتهم على الأرقام الميسرة لذلك ،ما عليكم أحبتنا إلا أن تطلبوا الرقم ونحن نتكفل بالمدة. أو أرسلوا عبر الزاجل الالكتروني آهاتكم وأشواقكم وفضفضوا عن أنفسكم.
لم تأت الموقرة الكهرباء لتجعلني أهرع لأشحن الجوال وبطارية الإضاءة وأشياء أخرى تنسني ما كنت خائضا فيه، لكن أصوات رصاص في الحي تنبئ عن ارتقاء شهيد جعلتني أهمل ما كنت استمع إليه وأصغي لما يقوله الرصاص في أزيزه لهذا العاشق الذي فارقت معشوقته الحياة ،فجاء رده حاسما واثقا لا يعرف التردد: السيف أصدق أنباء من الكتب.