ثقافة

أدب النصيحة وهـذا الجهل الإنساني!

حين نسأل أو ندخل في حديث حول الجهل وما يفعله فإن ما يخطر في بالنا وعلى الفور عدم التعلم في المدارس والجامعات، ولكن الجهل في معناه الكبير إنما يشمل المتعلمين أيضاً بل وكبار السن من العارفين بأمور الحياة أكثر من غيرهم وعلى قاعدة (أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة) لكن الجهل و-لنقل الجهل العام الذي قد يشمل الجميع متعلمين وغير متعلمين- هو موضوع حديثنا اليوم، وفقنا الله في أن نقدم الفائدة المرجوة دون إزعاج لأحد!
أذكر مرة ومنذ سنوات طويلة وكنت أمر في حي شعبي فوجدت طفلاً صغيراً يكاد لا يتجاوز الرابعة أو الخامسة من العمر يجلس على باب منزله وهو يبكي، وقد استوقفني هذا المشهد لأسأله ما به، وإذا بي أتفاجأ بأن الباب خلفه ينفتح ويرشون عليه كمية كبيرة من الماء الوسخ، وينغلق الباب وتصاعد استغرابي وبقيت واقفاً أتطلع حولي وأنا أتساءل حتى رأيت صاحب دكان ينظر إلي عن بعد فسألته: ماهذا؟ ما الذي يحدث؟! فقال لي وهو يبتسم: نعم.. أقولها بألم: هذه خالة مرت أب!.
وعلى الرغم من أنني لا أزال متأثراً بل ومتألماً من هذا المنظر والموقف بل وأقول: الحادثة غير الإنسانية، فإنني أعتبر وأصرح بل وأؤكد أن سبب هذه الحادثة إنما هو الجهل،  الجهل الإنساني، وأرجو أن تشيع هذه التسمية، كي يتوضح أكثر ويتأصل أكثر هذا الفرق بين جهل من لم يتعلموا في المدارس وبين الجهل العام الذي يشمل أحياناً حتى المتعلمين وفي كل فئاتهم ولهذا أضرب هنا هذا المثل الآخر على هذا الجهل الإنساني!:
نحن راكبون في سيارة عامة (ميكروباص) والفصل شتاء والبرد موجود ويظل الركاب طوال الطريق يغلقون نوافذ السيارة تماماً وحتى السائق يفعل ذلك أحياناً على الرغم من أن معظم السائقين قد يتركون النافذة عندهم بعضها أو معظمها مفتوحاً! وحين يحاول أحد الركاب فتح جزء من النافذة فإنهم يتدخلون فالدنيا برد وقد يصرخ به أحدهم: (سكّر الشباك من عندك يا أخ) أو (سكرولنا هالشباك يا جماعة) وكأن الجميع متفقون على ذلك، وكل ما يعرفونه وكل ما تعلموه أيضاً أن النوافذ كلها يجب أن تبقى مغلقة طوال الطريق والركاب كلهم يتنفسون ولا يوجد أوكسجين في السيارة يكفي على الإطلاق، وحتى إنني لاحظت أن بعض السيارات والكبيرة أيضاً تضع البلاستيك على النوافذ بحيث لا يستطيع أحد فتح النافذة  فأين شرطة المرور من ذلك، أولا يعتبر ذلك جزءاً لا يتجزأ من عملها؟! وما أكثر هذا الجهل في حياتنا خاصة وأن حرق الحطب قد عاد إلى البيوت، وهم يغلقون النوافذ وكلها أحياناً للحصول على الدفء القاتل، أو في الأقل الدفء الجاهل!.
وهكذا تكون النصيحة اليوم أن تتدخل وسائل إعلامنا المسموعة والمرئية في نشر هذه التوعية أو التذكير بها إذا كانت معروفة عند معظمنا، وما أهم بل وما أعظم هذه البرامج الصحية حين تكون عامة وتقدم النصيحة الطبية وطالما يوجد قانون فالحقد والانتقام من الجهل، سواء في هذا المجال أو في غيره من مجالات حياتنا العامة الأخرى وخاصة منها حاجاتنا الصحية والملحة لأطفالنا الأعزاء أيضاً!.