ثقافة

جائزة أفضل سيناريو عن “فانية وتتبدد” ديانا كمال الدين: تأكيد على صوابية تناولي لمحاور خطرة

لا تنكر الكاتبة ديانا كمال الدين التي نالت مؤخراً جائزة أفضل سيناريو وحوار عن فيلم “فانية وتتبدد” إخراج نجدة أنزور أنه عندما تواصلت إدارة مهرجان أفلام الوحدة الإسلامية بدورته الأولى لمشاركة الفيلم في المهرجان لم تكن تتوقع أية جائزة، وكان الأهم  بالنسبة لها مشاركة “فانية وتتبدد” في هذا المهرجان بالذات لأهميته الخاصة من حيث موضوع الفيلم والحوار الديني الطويل المطروح فيه الذي قد لا يلقى ذات الانتباه في المهرجانات السينمائية الاعتيادية، بينما في مهرجان مختص بالأفلام التي تتناول الدين والإيمان وعلاقة الإنسان بالذات الإلهية لا بد أن تتوقف لجنة التحكيم عند كل مشهد وكل حوار لتقييمه، وهذا ما كان مهمّا لها ككاتبة للسيناريو في أن يتم تقييم النص من قبل جهة ضليعة ومختصة بالأمور الدينية بشكل عام، والإسلامية بشكل خاص والتي يتناولها فيلم “فانية وتتبدد”.

كسر الحصار
قبل المشاركة في مهرجان أفلام الوحدة الإسلامية شارك فيلم “فانية وتتبدد” في مهرجان أفلام المقاومة لهذه السنة حيث تمت ترجمته إلى اللغة الفارسية وعُرض على الجمهور ثلاث مرات أثناء المهرجان، وبرغم محبة الجمهور للفيلم لم يفز بأية جوائز لأن هذا النوع من المهرجانات برأي كمال الدين يركز على موضوع واحد ويختار الأفلام الأكثر قرباً من تخصص المهرجان، وهذا هو الأمر المنطقي والطبيعي في المهرجانات السينمائية الاعتيادية كمهرجاني وهران والإسكندرية السينمائيين  حيث تخضع انتقائية الأفلام لآراء أفراد لجان التحكيم ورؤسائها، كل بحسب ثقافته وخلفيته السينمائية وانتمائه، وهنا تتناوب الأفلام على نيل جائزة في مهرجان ما وعدم نيلها في مهرجان آخر، وهذا ما جعل فيلم “فانية وتتبدد” يحصد هتاف الجمهور في صالة العرض دون نيل جائزة في مهرجان وهران السينمائي، وينال جائزة “أفضل ممثلة” للفنانة رنا شميّس في مهرجان الإسكندرية السينمائي، ويبقى الهدف الأساسي من المشاركة في هذه المهرجانات بالنسبة لنا كسوريين -كما توضح كمال الدين- هو كسر الحصار عن السينما السورية وتمكنها من إيصال صوتنا الفني إلى الخارج، والمحافظة على الحضور السينمائي السوري في كل المحافل السينمائية الممكنة.

المرة الأولى
نيل الفيلم لجائزة أفضل سيناريو وحوار في هذا المهرجان يعنى لكمال الدين الكثير، فالتعمق في موضوع الدين والإيمان والإرهاب والتكفير ومفهوم الإنسان للإله والعبادة، أمر يتجنبه أغلب الكتّاب لما له من قراءات وتأويلات وتفسيرات متشعبة ومتناقضة ومتحاربة أيضاً، وبالتالي نيل هذه الجائزة يؤكد لها صوابية ومنطقية تناولها ومقاربتها ككاتبة لهذه المحاور والتقاطعات الخطرة دون الانزلاق نحو التحيّز بأي اتجاه كان، والأهمية الأخرى برأيها تكمن في موضوع وتوقيت المهرجان نفسه، فمؤتمر الوحدة الإسلامية يعقد دورته الثلاثين هذا العام، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأسيس مهرجان خاص بالأفلام السينمائية متزامناً مع المؤتمر ويدور في فلكه، وإعطاء هذا المهرجان هذا القدر الكبير من الاهتمام، بحيث يقوم رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية شخصيّاً بتوزيع الجوائز على الأفلام الفائزة، تقديراً لدور الفن بشكل عام والسينما بشكل خاص بنشر مفاهيم الإنسانية والعيش المشترك ونزع فتيل التكفير والتطرف وتسييس الأديان في حروب جيوسياسية واقتصادية تسحق الإنسانية تحت مصالح مخططيها، وهذا ما قد يعطي الضوء الأخضر للسينما الإسلامية بشكل عام والعربية بشكل خاص، للتطرق بزخم أكبر وشجاعة نحو طرح وتحليل أزمات مجتمعاتنا الناشئة عن الفهم الخاطئ لمفهوم الأديان والمذاهب، واستغلال راية الذات الإلهية للوصول للسلطة السياسية والاقتصادية وإلغاء الآخر ولو بالذبح.

مدرسة المخرج نجدة أنزور
وكامرأة كان يعني الكثير لكمال الدين التواجد في هذا المهرجان، إذ بيّنت أنه اعتدنا احتكار الرجال لتناول مواضيع وشؤون الدين وتهميش المرأة بشكل كامل وتبعيتها، بل واتهامها بنقص العقل والعجز عن البحث والتعمق في شؤون الدين، واليوم وبرغم قناعاتها الشخصيّة المنفتحة على طرح الأسئلة في الفكر الديني والإيماني والإنساني تمكنت كامرأة من مقاربة هذه المحاور الخطرة وأثبتت لنفسها أولاً ولغيرها من النساء ثانياً، أنه يُمكننا حقاً نيل مكانتنا التي نستحق في كل المجالات والمحافل، خاصة تلك التي يحتكر فيها الرجال إدعاء المعرفة الكلّية، وكذلك أثبتت كمال الدين أنه يُمكننا كنساء أخذ مساحتنا المستحقة في هذه المجالات بالعلم والحجة والمنطق والصبر والذكاء، ممّا يفرض على الطرف الآخر احترام تجربتنا وتقديرها، بل وتكريمها دون أن نلجأ إلى ما اعتدنا عليه من ثورات نسائية فجائية غير مدروسة قائمة على قاعدة تاريخية من الخوف والخضوع، بل والخنوع، تبدأ بسقف مطالب لا واقعية وبأصوات مرتفعة وحادة وأفكار مشتتة غاضبة، وتنتهي بانكسار ودموع والعودة لتبعية مجتمعنا الذكوري في السيطرة، ولذلك تختار كمال الدين الطرق والأساليب التي تخدم قضيتها كامرأة مطالبة لحقوقها، وتوصلها بهدوء لأهدافها دون أن تثير جلبة بتحدي المجتمع الذكوري الذي سيسارع إلى صب جام غضبه عليها ويُعلن حرباً قد تفقدها حتى تلك المكتسبات البسيطة التي تملكها حاليّاً. وأوضحت أن تواجدها مثلاً في طهران يفرض عليها احترام قوانين اللباس وغطاء الرأس، وبرغم رفضها للحجاب إلا إذا كان عن قناعة صادقة من قبل المرأة إلا أن الأخلاق تفرض عليها احترام المكان واحترام مكانة الحاضرين وقوانينهم، لذلك التزمت باللباس وغطاء الرأس بذات الوقت الذي اختارت فيه اللون الأحمر احتراماً لكينونتها كأنثى ترفض أن تتلاشى خلف اللون الأسود المُصمم بالشكل الكافي لعطب أي تأثير للأنثى وتحويلها إلى عنصر خامل مجتمعيّاً.
وتختتم كمال الدين كلامها بتأكيدها أن فوز أول فيلم تكتبه بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان مختص يُشعرها بالغبطة ولكنها تعترف أنّ السيناريو في الفيلم الثاني “رد القضاء” كان أنضج من ناحية رشاقة المشاهد والحوار وتسارع الإيقاع الزمني للأحداث وضبط الشخصيّات وتطورها عبر النص، وهذا بالطبع ما قدمه اختلاف الموضوع المطروح في الفيلمين، وباعتقادها أيضاً أن السيناريو الثالث الذي تعمل عليه حاليّاً لا بدّ أن يكون أنضج على كافة الأصعدة وأغنى، خصوصاً بعد سنتين وأكثر في المدرسة الأكثر صعوبة، مدرسة المخرج المبدع نجدة أنزور.
أمينة عباس