ثقافة

الدراما الخليجية.. جرأة في الطرح وضعف في المعالجة

رغم البداية المتواضعة للدراما الخليجية في ستينيات القرن الماضي، والتي تعرفنا عليها من خلال عدد من النجوم الذين أسسوا لهذه الدراما كالفنانين سعاد العبد الله وحياة الفهد وعبد العزيز الجاسم وغيرهم، فقد أثبتت هذه الدراما وجودها، ودخلت مجال المنافسة مع الدراما السورية والمصرية، وأصبحت الأعمال الخليجية منتشرة في أغلب الفضائيات العربية.
ولم يبق نجاح هذه الدراما مقتصراً على الوجوه الفنية المخضرمة، وإنما نرى تكاملاً بين جيل الكبار وجيل الشباب، الذين أتاحت لهم طبيعة الموضوعات التي تتناولها هذه الدراما فرصة لم تتوفر لمؤسسي الدراما بحكم طبيعة المرحلة التي نشأت فيها، مثل تعاطي المخدرات والزواج الفاشل وتعدد الزوجات والعادات المتوارثة، كزواج الأقارب والثأر والجشع المادي وغيرها من الموضوعات التي تعالجها الدراما، والتي تقدم أحداثاً تمس جانباً مهماً من الأحداث الحياتية للمواطن والمشاكل المجتمعية، فالفن مرتبط بمفاهيم كثيرة يكمل بعضها بعضاً كالسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهذه كلها انعكاس للحالة العامة التي يتم تقييم التطور الدرامي من خلالها، ورصد التغيرات التي طرأت على الأوضاع في الوطن العربي ككل.
ومع أن الدراما الخليجية كانت تعتمد في بدايتها على العامل التجاري الذي يهدف إلى الربح، عبر تصوير البيوت والثراء الذي يعيشه المواطن الخليجي، وغيرها من المسائل السطحية التي لا تلامس الهم الحياتي لهذا المواطن فكان هناك شيء من المواربة، إلا أنه لا يمكننا التنكر لبعض الأعمال التي أسست لدراما متكاملة من حيث البناء الدرامي الذي يشد المشاهد لمتابعة ما يعرض أمامه، وقد أكدت هذه الأعمال على الرسالة الفنية والإنسانية التي تحملها هذه الدراما، والتي تعبر عن نضج فني يعتمد الانتقائية في اختيار الموضوعات التي تتناول المشكلات والقضايا التي تهم الإنسان العربي بأسلوب صريح ومباشر، وإن كانت الضوابط الكثيرة تقلل من ذلك.
وفي استعراض للأعمال الخليجية التي قدمت في الفترة الأخيرة نرى أن الجرأة في طرح الأفكار هو ما يميز هذه الأعمال، ولو أن معالجتها كانت دون المستوى المطلوب، كمسلسل “ساق البامبو” عن رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي، سيناريو وحوار الناقد المصري رامي عبد الرازق، ومن إخراج محمد القفاص. والذي يتناول فكرة صراع الهوية، ويُثير أزمة أبناء الخادمات الآسيويات من آباء خليجيين. من خلال  قصّة شاب يدعى عيسى، وُلد من خادمة فليبينية اسمها جوزفين، كانت تعمل لدى عائلة كويتيّة، يقدم الولد الوحيد لهذه العائلة بالزواج من الخادمة خفية عن أهله وبعد أن اكتشفت أمه هذا الأمر، قامت بالتفريق بينهما، لتنتقل الخادمة برفقة ابنها إلى الفيليبين للاستقرار هناك في أوضاع مادية سيئة. وينتظر الطفل عيسى لقاءه بوالده الكويتي، الذي وافته المنية خلال الغزو العراقي للكويت. ويعود الابن عيسى بعد سنوات إلى الكويت، حيث عمل في البلاد كخادم في منزل جدّته، إلا أنّ المجتمع الكويتي يكتشف أمره، فيتم طرده بشكل قسريّ من البلاد.
ولعل الصفات المعروفة عن نبات البامبو أنه ينمو في الظل بعيدا ًعن ضوء الشمس، جاءت مطابقة لحال بطل العمل “عيسى” ولكن رغم جمالية العمل والحالة الدرامية التي اشتغل عليها كاتب السيناريو، إلا أنه لم يرق لجمالية الرواية حيث التفاصيل التي لم يتعمق فيها كاتب السيناريو جعلت الخط الدرامي أضعف أمام التفاصيل التي أوردها السنعوسي في سرده لأحداث الرواية، وربما كان للقيود التي تواجه إنتاج الدراما الخليجية دورها في اقتصار الطرح على الخطوط الرئيسية للعمل دون الدخول في التفاصيل والارتدادات الاجتماعية التي أغنت الرواية، لكنها لم تلحظ درامياً.
وهناك أعمال أخرى حاولت الخروج عن المألوف الدرامي عبر الطروحات التي تناولتها مثل: “لك يوم” للكاتب محمد خالد النشمي، والمخرج أحمد فؤاد الشطي. يحمل العمل مضامين كثيرة، منها الخلافات بين الأهل وعاملي الخير والشر وانعكاسهما على العلاقات الاجتماعية، وقد تميزت الفنانة هدى حسين في العمل حيث تجسد دور أم مكافحة تتحدى الصعوبات التي تقف في وجه أسرتها التي تعيش بعض المشاكل، وتسعى بكل طاقتها لتحقيق أحلام أبنائها وسعادتهم.
أما مسلسل “للحب كلمة” فيتناول تفاصيل الحياة داخل الأسرة، ويركّز على القيم والمثل المفقودة والتي يتوجب إعادة الاعتبار إليها، لا سيما التقاليد والعادات الاجتماعية الأصيلة، بينما مسلسل “ريحانة” تأليف حسين المهدي وإخراج سائد الهواري وبطولة الفنانة حياة الفهد فيتناول قضية العنف ضد المرأة العربية بكافة أشكاله، وتظهر أحداث العمل بعض الممارسات السلبية تجاه النساء، في قالب تراجيدي مغلف بقصة مؤثرة وبمشاركة نخبة من نجوم الدراما الخليجية.
مع كل الجرأة التي تحملها الأعمال الخليجية، والتي يجب ألا تكون على حساب القيم، يستوقفنا السؤال عن معاناة هذه الدراما مع الرقابة ضمن خصوصية المعايير الاجتماعية التي يعيشها المجتمع الخليجي.
إن نظرة شاملة على هذه الدراما نرى أنها وللأسف رغم كل التطور الذي حققته من حيث الجرأة في تناول موضوعات كانت غير متاحة سابقاً، إلا أنها ظلت ضمن جدران القصور تتحدث عن الإشكالات الحياتية للأسر الغنية، ولم تخرج إلى الشارع الخليجي لتقف على موضوعات يعانيها أبناء الطبقة الفقيرة في هذا المجتمع، لكن يبقى الأمل بأن تستمر هذه الدراما في تطورها وتتجاوز التابوهات التي تقيدها وتجعلها بعيدة عن مشاهديها المحليين أولاً والعرب ثانياً، ونتمنى أن لا يبقى مسلسل “خالتي قماشة” الذي عُرض في ثمانينيات القرن الماضي نموذجاً فنياً يحضر عند ذكر الدراما الخليجية، خاصة وأنه هناك أعمال قدمت في السنوات الأخيرة تستحق المتابعة وحققت حضورها على الساحة الدرامية الخليجية والعربية، سواء  الأعمال التي استشهدنا بها في مقالنا وأعمال أخرى غيرها.
سلوى عباس