ثقافة

تجليات الوصف في شعر عدنان مردم بيك

لا يمكن للشعر الحقيقي أن يأتي دون أن يكون لحضوره علاقة بالانفعال، وهذا الانفعال هو نمط وجداني مرتبط بموهبة أخاذة وهو خاص بالعمل الفني الذي تصل به القصيدة إلى عالم الوجود وبالتالي فالقصيدة الشعرية تعتمد على قدرات داخلية في إثارة الذات الشاعرة.      ويبدو أن للوصف الفني حالة كتابية أخرى مختلفة عن تداعيات الشعر وأنواعه وأغراضه فثمة أمر تدل عليه حالات الوصف الشعرية وهو أن هذا النوع من الفن لايمكن أن يخلو من نظرات تأملية نفسية تعتمد على التخييل والسكينة النفسية المعبرة عن روح الإنسان بعد انفلات الهيئة الشكلية للنص الشعري وتكونها وفق أسس تدل على شخصية الشاعر وبيئته ووسائل التربية التي تلقاها فدفعته لتواصل معين مع أشياء الكون أو الأشياء المرتبطة بالكون وفق المؤثرات البيئية والاجتماعية.
ويعتبر عدنان مردم بيك الشاعر الأكثر اهتماما أو الأكثر ارتباطا إذا صح التعبير بهذا النموذج الشعري الذي سبقه إليه البحتري وشعراء ما قبل الإسلام ويكاد أن يصل إلى حد التفرد بالنمط الشعري الوصفي في العصر الحديث مختلفا بذلك عن سابقيه ومعاصريه وعمن تلوه إلى عصرنا الراهن وإذا أردنا أن نستشهد بقصيدة وصف الجفاف والمحل نجد أن الشاعر استطاع أن يمرر غرضه النفسي عبر تعبيره الوصفي وحركة الموسيقا الشعرية التي اعتمدها.. يقول:
عصف المحل ضاربا كعباب          بسموم العذاب ملأ الهضاب
شعل النار للهجير ترامت               كشهاب ينقض إثر شهاب
حالت الأرض مرجلا حيث راحت     تغمر الأرض بالثقاب المذاب
واضح أن عدنان مردم بيك في سعيه لتحقيق البواعث النفسية لعملية الخلق الشعري إثر ما تكون في ذاته من أسى وألم يعتمد أيضا على استعارات الألفاظ ليستخدمها كدلالة على أداء الغرض الذي يرمي إليه محاولا أن يصل إلى لوحة تشكيلية تنبض بالحدث وتنتقل على نغمة موسيقا كقوله في قصيدة الخزاف:
هب يسعى والصبح يحبو كطفل     دون وعر من القفار وسهل
شحذ العزم وانبرى يتحدى          كم مريد جهل الزمان بجهل
ليس تثنى يد له كجبان               عن مراد أو كان يعيا بثقل
كما يعمل عدنان مردم بيك على تجاوز الشكل الظاهري السطحي ليربط بينه وبين الحالة التلقائية للفوران العاطفي الذي تمكن أن يشير إليه بالمدلولات اللفظية المكونة للجمل التعبيرية في النص كاستخدامه لكلمة الحرمان والأنعام ووجه الثرى وكلمة كرة أيضا في قصيدة الحطاب حيث اشتغلت مدارك الخيال بما سعت إليه من وعي غني بمفردات وكلمات ألمّ بها الشاعر بسبب اطلاعه أو تحولاته الاجتماعية كقوله:
أيامه مشبوبة بضرام                  من لاعج الحرمان والاسقام
تلقاه كالأنعام يضرب حائرا           وجه الثرى في حيرة الأنعام
وفؤاده كرة تقاذفها الأسى            بيد الهوى وهواجس الأوهام
ويقارن بين الحياة الاجتماعية التي يعيشها الناس خلال مؤثراته الشعرية ومنطلقاته النفسية والاجتماعية ثم يدرك الشبه الكبير بين سوء الطالع الاجتماعي في زمنه وفي الأزمان السالفة بعد أن استخلص من قصائد أبي العلاء المعري وفلسفته وحياته رداءة السلوك الاجتماعي الذي يسلكه الناس فيخاطب المعري ويدرك القيمة البنيوية والمعنوية والفكرية لشخصيته بعد أن أقر بأن المعري شاعر لا يتكرر عبر التاريخ يقول في خطابه الأدبي أبو العلاء المعري:
برمت بالناس من غيظ ومن ملل   وضقت ذرعا بما لاقيت من زمر
في كل عصر تسوس الناس طائفة    تحكمت بسلاح المكر والغرر
يا شاعرا نظم الآلام أغنية       كم في نشيدك من معنى ومن عبر
كافة النصوص التي وجدت في أعمال عدنان مردم بيك الكاملة اعتمدت أسلوب الشطرين واتسمت بركيزتين أساسيتين الأولى هي الوصف والثانية هي العاطفة إضافة إلى مستوى اللغة واستخدام ألفاظها بشكل بنيوي دقيق والابتعاد عن الإقواء والجوازات وما يمكن أن يدفع بالشاعر إلى عبارة “يحق له ما لا يحق لغيره”.
محمد خالد الخضر