هنيئاً للمرأة السورية
لم أقتنع يوماً بأن الكتابة عن المرأة السورية، أماً كانت أو زوجة، أو شقيقة، أو صديقة، بحاجة لمناسبة أو عيد ما لتهنئتها، ذلك أن الكلمات مهما بلغت من الرقي لن تفيها ولو جزءاً بسيطاً من حقها، ومن تضحياتها، وستضيع في بحر عطاء ذلك الإنسان الرقيق، خصوصاً خلال سنوات الحرب على بلدنا سورية، ولأن المرأة الصادقة بطبيعة الحال عندما تعطي لن تنتظر مقابل عطائها، لكن ما استفزني للكتابة هو عنوان أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية: «جائزة المرأة الدولية للشجاعة»، والتي تقدمها الخارجية الأمريكية في اليوم العالمي للمرأة، وبالطبع معايير الشجاعة تلك تضعها أمريكا بما يخدم سياساتها كعادتها، ومن ضمن المكرمات لهذا العام كانت إحدى النساء «السوريات» التي قدمتها الخارجية الأمريكية وهي تضع علم الانتداب على كتفيها على أنها تمثل المرأة السورية بصمودها وشجاعتها.. سؤال بسيط يمكن أن نطرحه في هذا المجال: ماذا تحمل هذه المرأة من مزايا ومآثر المرأة السورية الحقيقية التي يشهد لها العالم على مر التاريخ؟! وأين الأمهات السوريات الحقيقيات اللواتي أثبتن الشجاعة فعلاً خلال الحرب على سورية، واللواتي قدمن المئات من الشهداء، آباء وأبناء وأزواجاً، وأصبحن في حالات كثيرة المعيل الوحيد للأسرة؟! وأين المرأة السورية التي عانت وتعاني أبشع صور الاستغلال في مخيمات اللجوء؟! وأين المرأة الفلسطينية من هكذا تكريم، وهي تقدم الغالي والنفيس في سبيل حرية الوطن المسلوبة؟! وهذا حال المرأة العربية في كافة الدول التي زارها الخريف العربي، وألقى بأوراقه الصفراء على أرضها، حتى المراهقات القادمات من الدول الأجنبية للمشاركة فيما يسمى «الجهاد» زوراً وبهتاناً، هن ضحية لسياسات دول استعمارية أنشئت وغذت الفكر المتطرف، والمثير للسخرية أن من يقوم بالتكريم هو الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الأول للإرهاب، وسبب المآسي التي تتعرض لها المرأة عموماً في أكثر بلدان العالم، والأنكى من ذلك أن تلك الجائزة أسستها في عام 2007 وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، تلك المرأة التي تلوثت يداها بدماء الأبرياء من خلال مساهمتها خلال سنوات توليها منصبها في رسم سياسة الخارجية الأمريكية المعادية للشعوب، والداعمة للدول الاستعمارية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.
بالطبع المرأة السورية لن تنتظر تكريماً من هذا النوع، لأنها أرقى وأطهر من ذلك، ولأنها بما قدمته أصبحت وساماً يزيّن صدر الوطن، وقد يكون اليوم العالمي للمرأة قد انقضى، لكننا اليوم في عيد الأم نكرّم الأم، وكل امرأة تحمل في روحها قيم الحق والحب والخير والنبل التي خص الله بها المرأة لتكون منارة نهتدي بنورها.. فهنيئاً للمرأة المناضلة الشريفة أينما وجدت، وللأم السورية التي أثبتت أنها عنوان الصمود، والتهنئة الأكبر للأم الكبرى سورية التي رفضت الذل والخنوع، وبقيت عنواناً للصمود والحق.
جلال نديم صالح