كورال المحبة في طرطوس يرتل ..حكاية شامية
تمام علي بركات
أن تغنّي يعني أن ترسم بالصوت دوائر جمال تدور حول خصر السمع كصوفي يدور ويدور العالم معه عندما يصبح العالم وفي العالم ومع العالم واحداً.والغناء للآلهة ومع الآلهة كان ديدن سكان هذا الشرق منذ الأزل، حيث كان السوري يبحث عن المطلق في أساطيره فيؤلفها ويغنيها ويرقص معها فرحاً وحزناً في الليل وفي النهار وعلى مدى الفصول.
لا تستطيع هذه الأرض أن تتوقف عن مخاطبة الخالق حتى في زمن الحرب لأن في الغناء صلاة وفي الصلاة مناجاة للقائم خلف هذا الكون الكبير. والربيع هو زمن عودة الحياة للبساتين وللكروم وهو أيضاً زمن زهرة شقائق النعمان التي تملأ المروج بلونها الأحمر القاني الذي يذكرنا بعمل الفداء الذي يسبق القيامة. وليس غريباً أبداً أن يأتي الفصح مع الربيع وأن تنشد أصوات المرتلين أناشيد الأمل بالغد الأحلى المليء بالفرح والحياة.
قال “مار إفرام” السرياني وهو ابن هذه الأرض التي تحاول يد العبث أن تمحوها: من رتل فقد صلى مرتين. ربما لهذا رتب كورال المحبة في طرطوس إطلاق أغنيته الخاصة مع زمن الفصح لتكون نداء المتعبين من الموت والظلام وتماشياً مع رغبة شعب هذا الشرق بالخلاص.
تشرف على كورال المحبة السيدة الفاضلة “لمى عرنوق” وهي مدرّسة في المعهد الموسيقي في مدينة طرطوس وهي التي اختارت أن تكون الكلمات من شعر الدكتور”إياد قحْوش” المعروف بروحانية قصائده وقدسية شعره.
الأغنية الترتيلة التي حملت عنوان “حكاية شامية” من ألحان الفنان الشاب “لؤي جرجس” وتوزيع الفنان “نزار تارك”.
عندما تستمع للترتيلة تشعر بالرغبة العارمة بالحياة وتدرك أن القيامة قادمة لا محال لأمة طائر الفينيق.
جميل أن نغنّي لله وللوطن وللإنسان معاً وجميل أن نختار الكلمات الغنية بالشعر لتكون أغنية للعيد بعد أن نختار لها لحناً مناسباً ينقلها إلى داخل الروح.
نغنّي مع الترتيلة وهي شعر محكي:
“لاكن بالحكايي/ عاقدّ مايكبر حجر هالموت / بيضل في قيامه / وبيضل في بكرا / بلون الصبح جايي / متل الطريق الماإلو نهايي”.
ياصاحب العيد، ياأيها الرحمن الرحيم خذ سورية بيدك إلى بر الأمان ولاتتركنا في هذه التجربة.. إليك نصلي.
هذا هو الشعب السوري الذي لا يعرف اليأس ولا يتراجع أمام المحن والنوائب وإنما يقف بفكره وفنه وأدبه مع الجمال والخير لأنه ينحاز دائماً وأبداً لثقافة المحبة، فلا يتعب من الإبداع ولا يمل من اجتراح الأعاجيب لأنه وريث حضارة الأبجدية الأولى والسفينة الأولى والدولاب الأول.
الأغنية ترتيلة وشعر الترتيلة صلاة ولحنها خرير مياه بردى، والأهم هو هذا العناد الجميل في الصمود وتقديس الأمل والسعي عبر الكلمة والموسيقا لنشر عطر الشرق الذي لا يؤمن إلّا بالغد الجميل المشرق لكل أبنائه.