ثقافة

“كلهم أبنائي”.. هل يعيد للمسرح الحمصي هيبته؟

جاءت مسرحية “كلهم أبنائي” التي قدمت على مسرح دار الثقافة في حمص لتضع حداً لانعدام الوزن للمسرح الحمصي الذي تأثر بالغياب عن جمهوره، ليس بسبب الأزمة، بل لأن مسرحييه لم يستطيعوا أن يمسرحوا أنفسهم بما يتناسب مع عطاء مواهبهم التي انفض عطاؤها لأسباب جد شخصية تتعلق بما يسمى: “رواد المسرح في حمص”، فالمسرح الحمصي غائب عن خشبته وجمهوره منذ أكثر من ثماني سنوات، وعودته اليوم عبر عرض: “كلهم أبنائي” تعتبر إنجازاً في ظل ظروف شخصية برمجت المسرح حسب أهواء وأمزجة وأدمغة هؤلاء الرواد التي أكل الدهر عليها وشرب، والتي أجبرت المسرحيين على العزوف عن الأعمال المسرحية.

الوطن دائماً على حق
وركّز “كلهم أبنائي” على إبراز مفهوم الوطن، وإسقاط فكرة النص على ما تعيشه سورية حالياً من أحداث نتيجة أزمة الحرب العدوانية عليها، فهو يؤكد على قيمة الوطن ومصلحته التي يجب أن تكون فوق أية مصلحة، ويتحدث عن جشع وطمع أحد تجار السلاح على حساب العائلة والمجتمع والوطن، دون الاهتمام بالقيم الإنسانية، أو حتى التفكير بالمسؤولية، ولكن في النهاية يدفع المخطئ ثمن أخطائه، ليفقد ابنه بسبب أفعاله، وبالنسبة لمفاصل العرض، بدءاً من الديكور الذي كان له دور مفصلي في سينوغرافيا الخشبة، وإبراز الفضاء المكاني والزماني في آن معاً، وكانت حركة الممثلين تسير وفق الرتم البطيء، حيث إن العرض ينتمي لأسلوب المدرسة الواقعية التعبيرية.

وقفة مع كادر العمل
“البعث” التقت بمخرج وممثلي العرض الذين يعتبرون من المخضرمين في المسرح الحمصي، والبداية مع مخرجه الإعلامي الفنان خالد الطالب، حيث قال:
حاولنا من خلال هذا العرض الذي جاء بعد توقف للحركة المسرحية في حمص دام طويلاً، أن نعيد الأمل لمدينة هي أم الفن والجمال والتألق على مدى سنوات طويلة مضت، ونريد أن نضيء شمعة علها تكون السبب في إعادة النور مجدداً للمسرح الحمصي من خلال مهرجان حمص المسرحي المزمع إقامته في أقرب وقت، ليكون هذا المهرجان الانطلاقة الجديدة للمسرح في المحافظة، وسبباً أهم لعودة الجمهور إلى معشوقته الخشبة بعروضها المتنوعة، وعرضنا اليوم “كلهم أبنائي” هو عرض واقعي بأسلوب جديد، أي الواقع التعبيري، والفكرة تتكلم عن موضوع إنساني اجتماعي، حيث إن الشخصيات عاشت في إحدى الحروب التي كانت تستغلها خدمة لمصالحها على حساب العائلة والمجتمع، وهؤلاء الأشخاص موجودون في كل زمان ومكان، ونحن يمكن أن نتقاطع معهم في ظل الأزمة التي يعيشها وطننا الآن، كما أردنا أن نؤكد للممثلين أن الجمهور ينتظر منكم الكثير.

تكريس حالة مبدعة وجميلة
وتحدث الفنان بسام مطر قائلاً: أتمنى أن تكون عودة المسرح في حمص قوية وليست خجولة، ونحن ندعو كل المسرحيين في حمص ليكرسوا من خلال تواجدهم الحقيقي حالة جميلة ومبدعة، علها تخترق العذاب والسم الذي اخترق حياتنا وتغلغل في مجتمعنا، ونقول لهم: تعالوا لنتواصل من خلال الحياة (المسرح)، وعرضنا اليوم اجتماعي أخلاقي، إذ يوضح فكرة الحرب وماهيتها ونتائجها على المجتمع، إضافة إلى نتاجها من تجار ركبوا موجتها من أجل مصالحهم الشخصية على حساب عائلتهم ووطنهم، والشخصية التي أجسّدها (جو) هي شخصية مركبة امتهنت الحرب، وكان ثمن طمعها التضحية بولدها، ونحن أردنا اليوم أن نضيء الواقع بطريقة تعبيرية، وجسّدنا رؤية المخرج عندما أخرجنا من جوارحنا الانفعالات التي يتطلبها العرض.

سورية أم المسرح
ويرى الفنان سامر إبراهيم أن سورية أم الجمال وأم المسرح، ومسؤوليتنا اليوم تقديم عمل نوعي لحمص، وتأتي أهمية هذا العرض من أننا نجسّده وسط الدمار الهائل جراء الحرب المستعرة، ليقول لكل المتاجرين بالحرب: مازال الأمل موجوداً والحياة قائمة، ونحن نرفض الموت والدمار، والمسرح جذوة الحياة، والعرض من العروض الصعبة في المسرح، لأنه يعتمد على الانفعالات الداخلية أكثر من الخارجية.

عودة الحياة للمسرح
وعن ظروف العمل تحدث الفنان حيث عرب إذ قال: نحاول في هذا العرض الذي جاء في ظروف صعبة على الوطن، إعادة الحياة للمسرح في حمص، لأنه أول الأعمال التي قُدمت على خشبة مسرح دار الثقافة منذ بدء الأزمة، والعرض يحكي عن تجار الحرب، والإنسان الذي أصبح يستغل حتى أقرب الناس إليه، حتى إنه يضحي بأحد أبنائه من أجل المال، ونتمنى أن يكون هذا العرض فاتحة لعروض مسرحية قادمة، تستعيد حمص من خلالها حيويتها المسرحية.
حمص- نزار جمول