ثقافة

بعد استلامه لمنصب مدير المسرح القومي فؤاد حسن: يجب منح العاملين في المسرح اليوم أوسمة شرف

لا يخفى على أحد أن المسرح القومي قدم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عروضاً مميزة كانت حينها مثار جدل ونقاش، وقد أصبحت الآن من كلاسيكيات المسرح القومي مثل “حرم سعادة الوزير” لأسعد فضة “المفتش” للدكتور شريف شاكر “قصة موت معلن” لمانويل جيجي “كاليجولا” لجهاد سعد “سكان الكهف” للدكتور فواز الساجر، والمؤسف برأي أ.فؤاد حسن مدير المسرح القومي أن الجميع اليوم يتفق على أن المسرح ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين في حالة من الارتباك والتخبط وغياب الرؤية الواضحة لدى العاملين فيه.

إنتاج عمل مسرحي عملية صعبة
لا ينكر الفنان فؤاد حسن الذي استلم إدارة المسرح القومي مؤخراً في حواره مع “البعث” أن النظر إلى المسرح القومي بالنسبة لمراقب خارج الإدارة يترك له حرية النقد أكثر مما لو كان داخل المؤسسة، حيث يكفي برأيه أن تحضر عرضاً مسرحياً لتدلي برأيك وحكمك عليه وأنت لا تعرف ظروف إنتاج هذه الأعمال والصعوبات التي تعترض العمل الفني قبل أن يرى النور على المنصة.. من هنا يؤكد حسن أن إنتاج عمل مسرحي عملية صعبة ومعقدة وتخضع لشروط عدة منها اختيار النص المناسب والمخرج الكفء والممثل المتفرغ والراغب في العمل المسرحي، بالإضافة إلى توفر الميزانية اللازمة والمناسبة للجهد المبذول، معترفاً أن الفرد حينما يكون خارج المؤسسة يكون أكثر حرية في تقييمه لأي عمل فني، وحينما يصبح ضمن هذه المؤسسة يصبح رأيه مرتبطاً وملتزماً بسياسة المؤسسة العامة، لذلك يصبح أكثر حذراً في إبداء رأيه وأكثر حرصاً على استقطاب أكبر عدد من الفنانين للعمل في المسرح في ظروف لم تعد خافية على أحد، مشيراً إلى أنه يجب منح العاملين في المسرح اليوم أوسمة شرف، متأسفاً لأن المسرح القومي يمر بأزمة نص وأزمة مخرج وأزمة ممثل، وحتى أزمة جمهور، وهو يمر برأيه في أزمة البحث عن مبرر وجوده لأنه ما عاد مطلباً جماهيرياً ولا احتفالاً جمعياً ولا منبراً للإصلاح والتغيير ولا منارة للريادة والتطوير، موضحاً أيضاً أن التطور السريع والمباغت في وسائل الاتصال عمّق الهوة بين جيل الرواد وجيل اليوم وزاد من حدة المنافسة بين مختلف أنواع الفنون، وباعتبار أن فن المسرح فن جمعي يتطلب لقاء الناس الحيّ في زمان ومكان محددين ومعلومَين بات الأمر أكثر صعوبة لأن  تحقيق ذلك لم يعد  بالأمر السهل.
ولأن حسن يؤمن بعمل المؤسسة يرى أن تغير فرد هنا وهناك لن يكون له تأثير كبير وحاسم في عمل المؤسسة، موضحاً أن عمل المؤسسات يخضع لقوانين ناظمة يحتاج تغييرها أو تحديثها إلى إرادة وجرأة في التغيير وتوفير كادر فني وتقني قادر على تحمل المسؤولية، وعليه فليس أمام الجميع إلا الحلم وشرف المحاولة، وفي إطار الحلم فإن كل المسرحيين، وهو منهم، يطمحون إلى تكريس تألّق للمسرح القومي وذلك باستقطاب أسماء فنية بارزة في مختلف المجالات الفنية، وتفعيل نادي المسرح القومي واستقطاب جيل الشباب من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية في مختلف التخصصات للعمل فيه ودعم المشاريع الفنية ذات الكلفة الإنتاجية البسيطة بغية فتح المجال أمام أكبر عدد ممكن من التجارب الفنية، والتواصل مع الجهات المعنية لإعادة تفعيل المهرجانات المسرحية مثل مهرجان المسرح الجامعي ومهرجان الهواة المسرحي ومهرجان الشبيبة المسرحي.

الملك لير مشروع تخرج
وعن مشروع التخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية الذي أشرف عليه مؤخراً وكان بعنوان “الملك لير” والذي انتهى عرضه قبل أيام، يوضح فؤاد حسن أن مشروع التخرج هو تتويج لمجموع المهارات والمعارف التي اكتسبها الطلبة في سنوات دراستهم، وتجسيدها أمام جمهور مسرحي عريض وعلى منصة تتوفر فيها تقنيات لم يعتد الطالب التعامل معها ضمن قاعات الدرس، حيث يتعرف الطلبة في هذا المشروع على عناصر العرض المسرحي من إضاءة وصوت وديكور وملابس ومكياج وكيفية التعامل معها، مبيناً حسن أن اختيار مشروع تخرج لطلبة السنة الرابعة قسم التمثيل يخضع لعدة معايير منها أن يكون النص ذا سوية فنية عالية مع توفر أدوار كافية لعدد الطلاب وبمساحات متوازية ومنسجمة مع إمكانية كل طالب على حدة، مع ضرورة ألا يكون قد قُدّم سابقاً في المعهد، ولا بأس إن كان العرض يطرح قضايا معاصرة وراهنة، ووفقاً لكل المعايير السابقة حقق نص “الملك لير” كل ما سبق، مع إشارة حسن إلى أنه تم اختصار النص من خلال حذف مشاهد كاملة، كما تم دمج مشاهد أخرى مع بعضها لضرورات فنية وتقنية، وتم حذف شخصيات ليس لها تأثير كبير على سير الأحداث، ويذكّرنا حسن أن نص “الملك لير” قُدم ضمن موسم المسرح القومي للعام 1972 بإخراج علي عقلة عرسان، ونحن الآن في العام 2015 وهو زمن كافٍ برأيه لإعادة أي عمل مسرحي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه قُدم اليوم كمشروع تخرج وليس كعرض للمسرح المحترف، منوهاً إلى أن نص “الملك لير” ملائم لطلبة هذه الدفعة من حيث العدد، أما من حيث النوع والإمكانيات ففي ذلك آراء ووجهات نظر، حيث الطالب هنا ممثل متمرن وعليه أن يتمرن على نصوص صعبة وشخصيات مركَّبة ومعقَّدة لأن الماء الضحل لا يُعلم السباحة، مع العلم أن لنصوص شكسبير قراءات متعددة وهي حمّالة أوجه لذلك قدم مع هؤلاء الطلبة  قراءة تجريبية لنص صعب ومقاربة لنص يحتمل تأويلات كثيرة دون أن يدّعي أن العرض قال كل شيء، موضحاً أن نص “الملك لير” وفّر عدداً من الأدوار لجميع الطلبة على حد سواء، وزاد على ذلك، حيث جسد أحد الطلبة دورين لا تعارض بينهما، كما تمت الاستعانة بطلاب من سنوات أخرى لتجسيد الأدوار الصغيرة.. وبالعموم يبين حسن أن نصوص شكسبير تمتاز بتأويلات متعددة، وكذلك شخصياته فهي تقدم للطالب هوامش للبحث والدراسة على صعيد التفسير والتأويل وعلى صعيد التجسيد والأداء، وتسمح للطلبة باستعراض إمكانياتهم ومهاراتهم الصوتية والجسدية وتشحذ معارفهم وتطورها، موضحاً أن علاقة عشق قديم تربطه بنص “الملك لير” تعود للعام 1985 حين كان طالباً في السنة الثالثة في المعهد وقدّم حينذاك مشهد العاصفة بشكل تجريبي جسَّد من خلاله عاصفة لير الداخلية والخارجية، والآن يجد في لير الأب أباً يشبهه وشخصية يرغب كل ممثل بتجسيدها على خشبة المسرح، أما الارتجال بالنسبة للطلبة فكان على صعيد الحركة والأداء لا على صعيد النص، وكان الشكل النهائي من نتاج الطلبة أنفسهم، وما كان حسن إلا مشرفاً موجهاً لعملهم، وما جعله يكتب على البوستر كلمة “مخرج” لا “مشرف” إنما ليحمّل نفسه وزر الأخطاء والهفوات، وبالتالي هو يعترف أن ما كان من خطأ أو تقصير فمنه، وما كان من صواب واجتهاد فمن الطلبة الذين وصفهم حسن بالاستثنائيين لأنهم يدرسون في ظرف استثنائي وقد تعاقب عليهم عدد من الأساتذة وكان من شأن ذلك أن يؤدي إلى تأجيل مشروع التخرج.
ويختم الفنان فؤاد حسن حواره مؤكداً أنه مرتاح وراضٍ عن نفسه وعن النتيجة التي وصل إليها مع الطلبة في “الملك لير” لأنه استطاع أن يأخذ بيد هؤلاء الشباب وأن يقتادهم إلى بر الأمان، مبيناً أن عملهم في الوسط الاحترافي في المستقبل القريب سيكون الحكم والفيصل فيما تم الاختلاف عليه اليوم، موضحاً أن ما تم مشاهدته في “الملك لير” كان الخطة B من المشروع، أما الخطة A فحالت دون تحقيقها مجموعة عوامل تتعلق بالمعهد والطلاب وبه.
أمينة عباس