بأي حال عدت يا عيد والأحباب غائبون
منال محمد يوسف
أي عيد نحيا من بعدهم ودون وجودهم، أيبقى النهار بذات جمالياته المعهودة أم تصبح شموسه حارقة لنا؟! تصبح يتيمة كما جلنار التي تنتظر العيد ليعود والدها ربما؟! ليعود الوقت الحقيقي إلى ساعتها، وبأي ساعة كل ينتظر ويحترق بنار الانتظار القاتلة؟ ينتظر بسؤال نصفه مقهور والنصف الآخر مأمول الرجاء، يسأل بانتباه المحبة قائلاً: بأي حال عدت يا عيد والأحباب غائبون، بأي حالٍ عدت إلينا ونورهم غائب عنا يقال: إنها الحرب وثقافة الموت والفراق، يجب أن نعتاد، أن نحجز أماكن قرب أضرحة الأحبة، قرب من كانوا يستحقون الحياة ونبضها الحقيقي، نبض الأيام الشاهقات بوجعٍ ما، برحيلِ فعله مقهور الحنين والسنين..من يستطيع أن يعاتب الأيام إذ سرقت منا دقة النبض؟! إذ سرقت حكاية وجعٍ وفخرٍ في الوقت ذاته.
هناك عند قبر الأحبة ألمحُ وجوهاً هي الأجدر أن تعيش، لكن من دون حجم الألم الحاصل فعلاً، وجوهاً تستصرخ الأيام أن تُعيد لها بارقة الذكرى، ضحكاتهم، أنات وجعهم وأنين الاشتياق الذي ما زال يحرقنا بناره عليهم.
بأي حالٍ عدت يا عيد؟ أعدت بشعارٍ يخبىء وراءه ثقافة الفراق، ثقافة الموت والغياب القسري، ثقافة الحنين إلى الماضي لو يعود للحظة؟ لو نسمع صوت الأحبة أو يسمعون صوت اشتياقنا لهم؟!
بأي حالٍ تعود الأيام، وتعود الأعياد؟! أتعود بوجعِ لم نكتشف سرطانه الموجع إلاّ بعد الأزمة؟ أتعود لتسأل كما صوتنا المقهور؟ “وينن” حسب أغنية فيروز
أين هم، أين ملامح وجوههم، تباريح شروقهم وغروبهم؟! يقال شمس الأحبة وإن غربت ذات مرة يبقى النور الأسمى..بقيت حكايات الألفة، بقي العيدُ مستمر بوجودهم، بتمتمات صلاتهم المعلنة والسرية. كم نشتاق لك يا عيد، كم نشتاق لسنين الألفة والمحبة؟! لسنين كانت خطواتهم مزروعة على دروبها؟! كانت ضحكاتهم ترن بأفراح المداد الإنساني، كان العيد صفحات ومعلقات من الفرح كلما قرأنا بها، تضاعف لدينا حجم الارتباط بماهية الحياة، ماهية الارتباط بجذور الأرض، جذور التواصل مع أشخاص كانوا لنا، كانوا الامتداد الحياتي لنا.
بأي اللغات نكتبك يا عيد؟! كيف لا نعشق الخربشات البسيطة والقصص العنيدة كانت تعشق البقاء؟! كل شيء كان يعشق الفعل الماضي وشخوصه وأبطاله ورواياته المكتوبة بتحنان الأحبة؟! كيف نغفل عن سماع أصواتهم، قصائدهم معلقات وقتهم الفضفاض الذي كان لنا. من لا يبكي وجعاَ عندما نلمح قصاصات ورقية آتية منهم، من بخورهم الذي يحترق هناك ونحترق على دخانه المتوهج. آهٍ كم نشتاق يا عيد، كمثل تلك الطفلة التي تلعب لاهية بأرجوحتها، أرجوحة الحياة ربما! كانت تلهو مع لعبتها التي أهداها إياها والداها قبل عام من الآن، في العيد ذاته، كل التفاصيل توحي لها أنه سيأتي إليها،كل التفاصيل تذكرها به رغم صغر سنها، آهٍ كم تشتاق كما كل عوائل الشهداء، تشتاق لرحلات الذهاب والإياب، لألف دقة انتظار راحت سدى، ماذا نفعل إذا اضطرم الشوق بأرواحنا؟! لو نبكي ونبكي على ذكرى الأحباب؟ يقال شمسهم رحلت مع الفعل الماضي وأخواته، الفعل المشرد على شرفات ليالينا.
هنا كانوا ينبوعاً للحياة، عنواناً لكل فعل مضارع آتٍ، كم نفتقدهم يا عيد، ذكراهم هي ذاكرة الوجع لدينا، آهٍ كم نفتقد العيد وهم من حولنا يكتبون لنا مواعيد الحياة المضيئة ويزرعون أزهارها، واليوم نحاول أن نبادلهم ذات العمل، لم يبق لنا إلاّ أن نزرع أضرحة الأحبة بالورود العطشى لعطرهم القدسي، الورود التي تنادي عليهم بصوت الطفولة المقهورة ووجع الغياب الأبدي، تنادي بسملات الاشتياق التي لا تنتهي وتسألُ بأي حالٍ عدت يا عيد والأحباب غائبون.